قال رحمه الله تعالى: [ومن عرف ما ترك أصحاب البدع من السنة وما فارقوا فيه فتمسك به؛ فهو صاحب سنة وصاحب جماعة، وحقيق أن يتبع، وأن يعان وأن يحفظ، وهو ممن أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم].
أيضاً هذا أصل من الأصول، وهو أنه لا خير فيما لم يكن عمل به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ما تركوه من المحدثات والبدع فالأولى والأجدى بغيرهم أن يتركه.
ولأن أصول البدع ظهرت لها مظاهر في عهد الصحابة رضي الله عنهم فنفوها وأبوها، وردوا على أصحابها ونكَّلوا بهم.
وجميع البدع التي حدثت فيما بعد حدث في عهد الصحابة نماذج منها، وإن كانت نماذج صغيرة، لكنها تمثل هذه القاعدة، وهو أن الصحابة نفوا البدع، وميزوها بسرعة وبحذر شديد، فلذلك حدث في عهد الصحابة القول بالقدر، لكنهم نفوه وردوه وعنفوا أصحابه، وحدث في عهد الصحابة نزعة التنطع والتشدد في الدين والغلو كما حدث من الخوارج، وحدث في عهد الصحابة الغلو في الأشخاص، وهو باب واسع من أبواب الفتنة، حدث من السبئية الرافضة في عهد الصحابة، فأبوا ذلك ونفوه، ووقفوا منه الموقف المعلوم.
ثم حدث أيضاً في عهد الصحابة الكلام في الدين والمراء والجدل الذي هو أصل الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم، فنفاه الصحابة وردوه.
حدث في عهد الصحابة بذور التصوف والبدع الظاهرة بذور البدع المقابرية والبدع العملية كما يسميها الناس، فقد حدثت في عهد الصحابة كما حصل في عهد ابن مسعود وأبي موسى الأشعري في العراق التسبيح بالحصى، وحدث الذكر الجماعي، والعزلة عن جماعة المسلمين، واتخاذ مساجد خاصة دون بقية المسلمين، والظهور بمظهر في العبادة فيه تنطع مثل الغشي والصعق والصياح والصراخ عند سماع القرآن، وعند سماع القصائد الزهدية، كل هذا حدث في عهد الصحابة فنفوه بشدة.
فإذاً قد يقول قائل: إن أصول ما وجدت في عهد الصحابة، ولم يكن لهم فيها موقف، وهذا خطأ.
أما الأصول فأظن أن أصول البدع الأولى أو أصول الفرق الكبرى كلها حدث لها نماذج في عهد الصحابة؛ لأنهم عايشوا أمماً مختلفة في ديانتها ومللها ونحلها، وكل أمة حاولت عن جهل أو عن تجاهل أو عن خبث من بعض الأشخاص أن تظهر ديانتها بين المسلمين، فصارت هذه المظاهر في عهد الصحابة فنفوها.