قال رحمه الله تعالى: [واعلم -رحمك الله- أن من قال في دين الله برأيه وقياسه وتأوله من غير حجة من السنة والجماعة؛ فقد قال على الله ما لا يعلم، ومن قال على الله ما لا يعلم فهو من المتكلفين].
يشير بهذا إلى منهج أهل الأهواء، ومخالفة هذا المنهج للسنة مخالفة تضاد وتباين، وهو أن أهل الأهواء يقولون في دين الله برأيهم وقياسهم، ويقصد هنا القياس في أصول الدين لا القياس في الأحكام؛ لأن القياس في الأحكام مبني على الاجتهاد في أمر معلوم؛ إما باستنباط حكم من دليل، أو بقياس مسألة على أخرى لها دليل، أو ترجع إلى قاعدة شرعية تقوم عليها الأدلة، فهذا قياس عمل عليه المجتهدون من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة الفقه.
فكان يلزم في كثير من المستجدات أن يقيسوا ما يستجد على ما له حكم سابق في دليل أو مستنبط من قاعدة، والممنوع الذي يذمه السلف -وذكره الشيخ هنا- هو القياس في أمر العقيدة، قياس صفات الله عز وجل وأسمائه وأفعاله وذاته على المخلوقين، وكذلك قياس أمور الغيب على عالم الشهادة.
قياس قضايا القطعيات على الأمور غير القطعية، كل ذلك من القياس الفاسد، وهو منهج أهل الأهواء، ولذلك نجد أن أغلب أهل الأهواء ما أتوا في فساد عقائدهم إلا من باب القياس، حيث استعملوا القواعد الفلسفية والعقلانية فجعلوها وسيلة لقياس قضايا العقيدة على أوهام الناس وأفكارهم، فضلوا وأضلوا.
إذاً: من قال في دين الله برأيه وقياسه فقد ضل.
وكذلك التأويل من غير حجة من السنة والجماعة، فمن تأول، أي: عمل واجتهد، على غير حجة من قواعد أهل السنة؛ فقد أخطأ وقال على الله ما لم يعلم.
وهذا يشمل أمور الاجتهاد، فمن اجتهد من غير حجة بينة، أو دليل واضح، أو رجوع إلى قاعدة، أو تبع فتاوى العلماء المعتبرين؛ فإن كلامه في الدين من القول على الله بغير علم.
ومن سمات أهل الأهواء أنهم يتجرءون على القول على الله بغير علم، سواء في العقائد والأحكام، ومع ذلك فقد كثر ذلك في هذا العصر حتى عند من ينتسبون للسنة، وهذه ظاهرة يجب على طلاب العلم أن يعنوا بعلاجها بشكل واضح، وأن ينبهوا الناس لها.
أقول: إنه في عصرنا الآن كثرت جرأة الناس -حتى أهل السنة من طلاب العلم ومن العوام وغيرهم- على القول على الله بغير علم، وصاروا يتناولون قضايا العقيدة والأحكام كما يتناولون سائر أمور الحياة، بل ربما يتردد أو يتورع أحدهم من أن يتكلم في قضايا العلوم المادية خوفاً من أن ينتقد، ولا يتورع عن الكلام في الدين والقول على الله بغير علم، والقول في الدين برأيه.
وصار الكلام في الدين والقول على الله بغير علم فاكهة المجالس، حتى عند بعض الصالحين والمتدينين، وهذا مسلك خطير وظاهرة لم تكن معروفة، وهي توقع في الأهواء إن عاجلاً أو آجلاً.
فينبغي التحذير منها والتنبيه لها، لأن من قال على الله ما لا يعلم فهو من المتكلفين؛ لأنه تكلف ما لا علم له به.