بقاء الحق والسنة مهما انتشرت البدع وعمت الضلالة

قال رحمه الله تعالى: [واعلم أنه لا يزال الناس في عصابة من أهل الحق والسنة يهديهم الله ويهدي بهم غيرهم، ويحيي بهم السنن، فهم الذين وصفهم الله تعالى مع قلتهم عند الاختلاف فقال: ((وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ))، فاستثناهم فقال: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:213]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال عصبة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون)].

هذا استدراك في مكانه، فإن على طالب العلم والعالم إذا ذكر أمر الفتن والأهواء والبدع أن يستدرك ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم وتواتر عنه؛ أنه لا تزال طائفة على الحق ظاهرين؛ لئلا يصاب الناس باليأس، ولذلك لا ينبغي للواعظ وطالب العلم والمتكلم في هذه الأمور أن يشعر الناس باليأس، ويبالغ في وصف الباطل وأهل الباطل وما هم عليه، بل لا بد أن يفتح للناس باب الأمل الذي وعد به الله عز وجل.

وحينما نذكر البدع والأهواء والمفاسد وكثرتها وانتشارها، فلا بد أن نبين للناس أن الحق لا يضيع، وأن الله عز وجل تكفل بحفظ الدين، ووعد بظهور طائفة على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، وأن هذه الطائفة تتمثل بالعلماء الراسخين الذين هم على السنة بأتباعهم، وأنهم بهم القدوة والحجة، ولابد أن يكونوا أعلاماً يشار إليهم بالأصابع والبنان في كل مكان وزمان، وإن كثر الخبث.

فمن هنا ندرك فداحة خطأ الذين يشحنون قلوب الناس باليأس.

نعم، ذكر المفاسد وغيرها يستثير غيرة الناس، ويجعلهم يأتمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، ويحذرهم من غوائل الفساد والجريمة والانحراف، لكن لا يكفي ذلك عن الاستدراك وفتح باب الأمل، وأن الله عز وجل وعد، وأن الوعد مشروط باتباع السنة والاعتصام بها، والاجتماع على الحق وعلى أهل الحق.

فالمؤلف ذكر هذا الأمر بعد أن ذكر كثرة الهالكين وكثرة أصحاب الطمع والرعاع الذين يميلون مع كل ناعق، ولكن مع ذلك لا تزال في الناس طائفة من أهل الحق والسنة يكون بهم الحق ظاهراً وتقوم بهم الحجة، ويكونون دعاة بقدوتهم وبأعمالهم وبسلوكهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015