قال رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن الله تبارك وتعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على ما يكون في أمته إلى يوم القيامة.
واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي).
وهكذا كان الدين إلى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهكذا كان في زمن عثمان، فلما قتل عثمان رضي الله عنه جاء الاختلاف والبدع وصار الناس أحزاباً وصاروا فرقاً، فمن الناس من ثبت على الحق عند أول تغير وقال به وعمل به ودعا الناس إليه.
فكان الأمر مستقيماً حتى كانت الطبقة الرابعة في خلافة بني فلان انقلب الزمان وتغير الناس جداً، وفشت البدع، وكثر الدعاة إلى غير سبيل الحق والجماعة، ووقعت المحنة في كل شيء لم يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ودعوا إلى الفرقة، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرقة، وكفّر بعضهم بعضاً، وكل دعا إلى رأيه وإلى تكفير من خالفه، فضّل الجُهّال والرعاع ومن لا علم له، وأطمعوا الناس في شيء من أمر الدنيا، وخوّفوهم عقاب الدنيا، فاتبعهم الخلق على خوف في دنياهم ورغبة في دنياهم، فصارت السنة وأهل السنة مكتومين، وظهرت البدعة وفشت، وكفروا من حيث لا يعلمون من وجوه شتى ووضعوا القياس، وحملوا قدرة الرب وآياته وأحكامه وأمره ونهيه على عقولهم وآرائهم، فما وافق عقولهم قبلوه وما خالف عقولهم ردوه، فصار الإسلام غريباً، والسنة غريبة، وأهل السنة غرباء في جوف ديارهم].