وهل يصح أن يوقف نكاح من حدَّ من الرجال على نكاح من حدَّ من النساء؟ فبأي أثر يكون ذلك؟ وعلى أي أصل يقاس من الشريعة؟ قلت: وحكى هذا القول ألكيا عن بعض أصحاب الشافعي المتأخرين، وأن الزاني إذا تزوج غير زانية فرق بينهما لظاهر الآية قال ألكيا: وإن هو عمل بالظاهر فيلزمه عليه أن يجوز للزاني التزوج بالمشركة، ويجوز للزانية أن تزوج نفسها من مشرك، وهذا في غاية البعد، وهو خروج عن الإسلام بالكلية، وربما قال هؤلاء: إن الآية منسوخة في المشرك خاصة دون الزانية.
السادس: أنها منسوخة، روى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، قال: نسخت هذه الآية التي بعدها: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ} [(32) سورة النور] وقاله ابن عمرو قال: دخلت الزانية في أيامى المسلمين، قال أبو جعفر النحاس: وهذا القول عليه أكثر العلماء، وأهل الفتيا يقولون: إن من زنى بامرأةٍ فله أن يتزوجها، ولغيره أن يتزوجها، وهو قول ابن عمر وسالم وجابر بن زيد وعطاء وطاوس ومالك بن أنس، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وقال الشافعي: القول فيها كما قال سعيد بن المسيب -إن شاء الله- هي منسوخة، قال ابن عطية: وذكر الإشراك في هذه الآية يضعف هذه المناحي، قال ابن العربي: والذي عندي أن النكاح لا يخلو أن يراد به الوطء، كما قال ابن عباس أو العقد، فإن أريد به الوطء فإن معناه لا يكون زنىً إلا بزانية، وذلك عبارة عن أن الوطأين من الرجل والمرأة من الجهتين، ويكون تقدير الآية: وطء الزانية لا يقع إلا من زانٍ أو مشرك، وهذا يؤثر عن ابن عباس، وهو معنىً صحيح.
وعلى هذا تكون الآية خبراً محضاً، لا يتضمن حكماً.
فإن قيل: فإن زنى بالغ بصبية، أو عاقل بمجنونة، أو مستيقظ بنائمة، فإن ذلك من جهة الرجل زنى، فهذا زانٍ نكح غير زانية، فيخرج المراد عن بابه الذي تقدم، قلنا: هو زنىً من كل جهة إلا أن أحدهما سقط فيه الحد، والآخر ثبت فيه، وإن أريد به العقد كان معناه: أن متزوج الزانية التي قد زنت ودخل بها ولم يستبرئها يكون بمنزلة الزاني إلا أنه لا حد عليه لاختلاف العلماء في ذلك.