قوله تعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [(79) سورة النمل]، أي فوض إليه أمرك واعتمد عليه فإنه ناصرك {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} أي الظاهر، وقيل المظهر لمن تدبر وجه الصواب.
المبين: البين الواضح الظاهر، الذي لا خفاء فيه، وهو أيضاً مُبين لغيره، الحق المبين لما يختلف فيه.
{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [(80) سورة النمل]، يعني الكفار لتركهم التدبر، فهم كالموتى لا حس لهم ولا عقل، وقيل: هذا فيمن علم أنه لا يؤمن {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء} يعني الكفار الذين هم بمنزلة الصم عن قبول المواعظ، فإذا دعوا إلى الخير أعرضوا وولوا كأنهم لا يسمعون، نظيره: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [(18) سورة البقرة]، كما تقدم. وقرأ ابن محيصن وحميد وابن كثير وابن أبي إسحاق وعباس عن أبي عمرو: {ولا يَسمَع} بفتح الياء والميم {الصمُّ} رفعاً على الفاعل، والباقون {تُسمعُ} مضارع أسمعت {الصُمَّ} نصباً.
مسألة: وقد احتجت عائشة -رضي الله عنها- في إنكارها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أسمع موتى بدر بهذه الآية، فنظرت في الأمر بقياس عقلي ووقفت مع هذه الآية وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((ما أنتم بأسمع منهم)).
لما خاطب أهل القليب، قليب بدر، فقيل له: كيف تخاطب أناس قد ماتوا، قال: ((ما أنتم بأسمع منهم لما أقول)) ولا شك أن هذا السمع خاص، ولا يعني أن جميع الأموات يسمعون أو يسمع منهم، لكن الأصل أنك لا تسمع الموتى، وخص منهم من خاطبه النبي عليه الصلاة والسلام، وأخبر أنهم سمعوا، فلا يضرب العام بالخاص.
قال ابن عطية: فيشبه أن قصة بدر خرقُ عادةٍ لمحمد -صلى الله عليه وسلم- في أن رد الله إليهم إدراكاً سمعوا به مقاله، ولولا إخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسماعهم لحملنا نداءه إياهم على معنى التوبيخ لمن بقي من الكفرة، وعلى معنى شفاء صدور المؤمنين.
ابن القيم -رحمه الله- بحث هذه المسألة، وأطال البحث في كتاب الروح، فيرجع إليه من أراد المزيد.