وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قريشاً فاجتمعوا فعمّ وخصّ فقال: ((يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحماً سأبُلها ببلالها)).
يعني أصلها.
الثانية: في هذا الحديث والآية دليل على أن القرب في الأنساب لا ينفع مع البعد في الأسباب، ودليل على جواز صلة المؤمن الكافر وإرشاده ونصيحته؛ لقوله: ((إن لكم رحماً سأبلها ببلالها)) وقوله -عز وجل-: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [(8) سورة الممتحنة] الآية على ما يأتي بيانه هناك -إن شاء الله-، قوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [(215) سورة الشعراء] تقدم في سورة (الحجر) و (سبحان) يقال: خفض جناحه إذا لان، {فَإِنْ عَصَوْكَ} [(216) سورة الشعراء] أي خالفوا أمرك، {فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} أي بريء من معصيتكم إياي؛ لأن عصيانهم إياه عصيان لله -عز وجل-؛ لأنه -عليه السلام- لا يأمر إلا بما يرضاه، ومن تبرأ منه فقد تبرأ الله منه، قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [(217) سورة الشعراء] أي: فوض أمرك إليه فإنه العزيز الذي لا يغالب، الرحيم الذي لا يخذل أولياءه، وقراءة العامة: {وَتَوَكَّلْ} بالواو وكذلك هو في مصاحفهم، وقرأ نافع وابن عامر: (فتوكل) بالفاء، وكذلك هو في مصاحف المدينة والشام، {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [(218) سورة الشعراء] أي حين تقوم إلى الصلاة في قول أكثر المفسرين -ابن عباس وغيره-، وقال مجاهد: يعني حين تقوم حيثما كنت.