قلت: قوله تعالى: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً} [(53) سورة الحج] الآية، يرد حديث النفس، وقد قال ابن عطية: لا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة، بها وقعت الفتنة، فالله أعلم، قال النحاس: ولو صح الحديث واتصل إسناده لكان المعنى فيه صحيحاً، ويكون معنى سها أسقط، ويكون تقديره: أفرأيتم اللات والعزى وتم الكلام، ثم أسقط (والغرانيق العلا) يعني الملائكة، (فإن شفاعتهم) يعود الضمير على الملائكة، وأما من روى: (فإنهن الغرانيق العلا) ففي روايته أجوبة منها: أن يكون القول محذوفاً كما تستعمل العرب في أشياء كثيرة، ويجوز أن يكون بغير حذف، ويكون توبيخاً؛ لأن قبله {أَفَرَأَيْتُمُ} [(19) سورة النجم] ويكون هذا احتجاجاً عليهم فإن كان في الصلاة فقد كان الكلام مباحاً في الصلاة. وقد روي في هذه القصة أنه كان مما يقرأ: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، والغرانقة العلا، وأن شفاعتهن لترتجى، روي معناه عن مجاهد، وقال الحسن: أراد بالغرانيق العلا الملائكة، وبهذا فسر الكلبي الغرانقة أنها الملائكة؛ وذلك أن الكفار كانوا يعتقدون أن الأوثان والملائكة بنات الله، كما حكى الله تعالى عنهم ورد عليهم في هذه السورة بقوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى} [(21) سورة النجم] فأنكر الله كل هذا من قولهم، ورجاء الشفاعة من الملائكة صحيح، فلما تأوله المشركون على أن المراد بهذا الذكر آلهتهم ولبس عليهم الشيطان بذلك نسخ الله ما ألقى الشيطان، وأحكم الله آياته، ورفع تلاوة تلك اللفظتين اللتين وجد الشيطان بهما سبيلاً للتلبيس، كما نُسخ كثير من القرآن، ورفعت تلاوته، قال القشيري: وهذا غير سديد؛ لقوله: {فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} [(52) سورة الحج] أي يبطله، وشفاعة الملائكة غير باطلة، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [(52) سورة الحج] عليم بما أوحى إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم-، حكيم في خلقه.
لو أضاف هذا التفسير الأخير، وأن المراد بالغرانيق الملائكة، الملائكة ممن ترجى شفاعتهم إلى التوجيه السابق، وأن هذا على فرض التسليم، ويبقى أن هذه القصة ليست بصحيحة، وأن هذه الإجابات عنها إنما هي مجرد التماسات من أهل العلم على فرض صحتها، ولم تصح ولم تثبت.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.