قوله تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} [(52) سورة الفرقان] أي فيما يدعونك إليه من إتباع آلهتهم، {وَجَاهِدْهُم بِهِ} [(52) سورة الفرقان] قال ابن عباس: بالقرآن، وقال ابن زيد: بالإسلام، وقيل: بالسيف وهذا فيه بُعْد؛ لأن السورة مكية نزلت قبل الأمر بالقتال.
{جِهَادًا كَبِيرًا} لا يخالطه فتور.
فالمراد بالجهاد هنا جهاد اللسان، جهاد الكلمة.
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [(53) سورة الفرقان] عاد الكلام إلى ذكر النعم، و {مَرَجَ} خلّى وخلط وأرسل، قال مجاهد: أرسلهما وأفاض أحدها في الآخر، وقال ابن عرفة: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} أي خلطهما فهما يلتقيان، يقال: مرجته إذا خلطتَه، ومرَج ومرِج الدين ..
يعني على الضبطين.
والأمر اختلط واضطرب، ومنه قوله تعالى: {فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ} [(5) سورة ق] ومنه قوله -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو بن العاص: ((إذا رأيت الناس مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا وهكذا)) وشبَّك بين أصابعه فقلت له: كيف أصنع عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: ((إلزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بخاصة أمر نفسك، ودع عنك أمر العامة)) خرجه النسائي وأبو داود وغيرهما.
في الحديث الآخر بمعناه: ((إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرة، فعليك بخويصة نفسك، ودع عنك أمر العامة)).
وقال الأزهري: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [(53) سورة الفرقان] خلى بينهما، يقال: مَرجْتُ الدابة إذا خليتها ترعى، وقال ثعلب: المرج الإجراء، فقوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} أي أجراهما، وقال الأخفش: يقول قوم: أمرج البحرين مثل مرج فعل وأفعل بمعنى، {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} [(53) سورة الفرقان] أي حلو شديد العذوبة، {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} أي فيه ملوحة ومرارة، وروي عن طلحة أنه قرأ: {وهذا مَلِح} بفتح الميم وكسر اللام، {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} أي حاجزاً من قدرته لا يغلب أحدهما على صاحبه.
مَلِح، يعني صيغة مبالغة مثل حذر، يعني شديد الملوحة، بالغ الملوحة.