وقال: {كَثِيرًا} ولم يقل كثيرين؛ لأن فعيلاً قد يراد به الكثرة، نحو {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [(69) سورة النساء]، قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} [(50) سورة الفرقان] يعني القرآن وقد جرى ذكره في أول السورة، قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [(1) سورة الفرقان] وقوله: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي} [(29) سورة الفرقان] وقوله: {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [(30) سورة الفرقان].
ضمير (صرفناه) إما أن يعود إلى القرآن، وقد مرّ ذكره مراراً، أو يعود إلى المطر الذي هو أقرب مذكور، وكأن هذا أقرب إلى الفهم باعتبار أنه أقرب المذكور، أقرب من القرآن والسياق فيه.
{لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} أي جحودا له وتكذيباً به. وقيل: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} هو المطر، روي عن ابن عباس وابن مسعود: وأنه ليس عام بأكثر مطراً من عام، ولكن الله يصرفه حيث يشاء، فما زيد لبعضٍ نقص من غيرهم، فهذا معنى التصريف، وقيل: {صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} وابلاً وطشاً وطلاً ورهاماً، قال الجوهري: الرهام الأمطار اللينة ورذاذاً، وقيل: تصريفه تنويع الانتفاع به في الشرب والسقي والزراعات به والطهارات وسقي البساتين والغسل وشبهه.
أما الضمير فعوده إلى المطر أظهر، وتصريفه بمعنى توزيعه بين الناس حسب ما تقتضيه الحكمة الإلهية، فقد يعطى أناس ويحرم أناس آخرون، يعطى الكفار ابتلاء وامتحان، ويحرم المسلمون عقوبةً لهم على ما اقترفوه واجترحوه من السيئات والذنوب والمعاصي –نسأل الله العافية-.