وقال أبو حنيفة: إذا وقعت نجاسة في الماء أفسدته كثيراً كان أو قليلاً، إذا تحققت عموم النجاسة فيه ووجه تحققها عنده أن تقع مثلاً نقطة بولٍ في بركة فإن كانت البركة يتحرك طرفاها بتحرك أحدهما فالكل نجس وإن كانت حركة أحد الطرفين لا تحرك الآخر لم ينجس وفي المجموعة نحو مذهب أبي حنيفة.
وقال الشافعي: بحديث القلتين وهو حديث مطعون فيه، اختلف في إسناده ومتنه، أخرجه أبو داود والترمذي وخاصة الدارقطني فإنه صدَّر به كتابه وجمع طرقه، قال ابن العربي: وقد رام الدارقطني على إمامته أن يصحِّح حديث القلتين فلم يقدر، وقال أبو عمر بن عبد البر: وأما ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلَّتين فمذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت في الأثر؛ لأنه قد تكلم فيه جماعة من أهل العلم بالنقل؛ ولأن القلتين لا يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع، فلو كان ذلك حداً لازماً لوجب على العلماء البحث عنه ليقفوا على حدّ ما حدّه النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه من أصل دينهم وفرضهم ولو كان ذلك كذلك ما ضيعوه، فلقد بحثوا عما هو أدون من ذلك وألطف.
قلت: وفيما ذكر ابن المنذر في القلتين من الخلاف يدل على عدم التوقيف فيهما والتحديد، وفي سنن الدارقطني عن حمّاد بن زيد عن عاصم بن المنذر قال: القلال الخوابي العظام، وعاصم هذا هو أحد رواة حديث القلتين ويظهر من قول الدارقطني أنها مثل قلال هجر لسياقه حديث الإسراء عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لما رفعتُ إلى سدرة المنتهى في السماء السابعة نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل آذان الفيلة ... )) وذكر الحديث، قال ابن العربي: وتعلق علماؤنا بحديث أبي سعيد الخدري في بئر بضاعة، رواه النسائي والترمذي وأبو داود وغيرهم.
أن الماء طهور لا ينجسه شيء، سئل عن بئر بضاعة وما يلقى فيها من الحيض والنتن فقال: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) وأما الزيادة: (إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه) هذه ضعيفة بالاتفاق، باتفاق الحفاظ، لكن الحكم مجمع عليه.