قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا} [(48) سورة الفرقان].
فيه خمس عشرة مسألة:
الأولى: قوله تعالى: {مَاء طَهُورًا} يتطهر به، كما يقال: وضوء للماء الذي يتوضأ به، وكل طهور طاهر وليس كل طاهر طهوراً.
نعم، هذا على مذهب من يجعل المياه ثلاثة أنواع، طهور وطاهر ونجس، أما من يجعل أو يقسم الماء إلى قسمين، طاهر ونجس، فيجعل الطهور من الطاهر.
فالظهور بفتح الطاء الاسم، وكذلك الوضوء والوقود، وبالضم المصدر وهذا هو المعروف في اللغة، قاله ابن الأنباري فبين أن الماء المنزل من السماء طاهر في نفسه مطهر لغيره، فإن الطهور بناء مبالغة في طاهر وهذه المبالغة اقتضت أن يكون طاهراً مطهراً، وإلى هذا ذهب الجمهور، وقيل أن {طَهُورًا} بمعنى طاهر، وهو قول أبي حنيفة، وتعلق بقوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [(21) سورة الإنسان] يعني طاهراً، وبقول الشاعر:
خليلي هل في نظرة بعد توبة ... أداوي بها قلبي علي فجورُ
إلى رجّح الأكفال غيد من الظبا ... عذاب الثنايا ريقهن طهورُ
فوصف الريق بأنه طهور وليس بمطهر، وتقول العرب: رجل نؤوم وليس ذلك بمعنى أنه منيم لغيره، وإنما يرجع ذلك إلى فعل نفسه، ولقد أجاب علماؤنا عن هذا فقالوا: وصف شراب الجنة بأنه طهور يفيد التطهير عن أوضار الذنوب، وعن خسائس الصفات كالغل والحسد فإذا شربوا هذا الشراب يطهرهم الله من رحض الذنوب، وأوضار الاعتقادات الذميمة، فجاءوا الله بقلب سليم، ودخلوا الجنة بصفات التسليم، وقيل لهم حينئذ {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [(73) سورة الزمر] ولما كان حكمه في الدنيا بزوال حكم الحدث بجريان الماء على الأعضاء كانت تلك حكمته في الآخرة.