لأن السمع الذي لا ينفع وجوده مثل عدمه، والعقل الذي لا يهدي صاحبه وجوده مثل عدمه فيصح نفيه عنه.

وقيل المعنى: أنهم لما لم ينتفعوا بما يسمعون، فكأنهم لم يسمعوا، والمراد أهل مكة، وقيل: (أم) بمعنى: بل في مثل هذا الموضوع، {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ} [(44) سورة الفرقان] أي في الأكل والشرب لا يفكرون في الآخرة، {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} إذ لا حساب ولا عقاب على الأنعام، وقال مقاتل: البهائم تعرف ربها وتهتدي إلى مراعيها، وتنقاد لأربابها التي تعقلها، وهؤلاء لا ينقادون ولا يعرفون ربهم الذي خلقهم ورزقهم، وقيل: لأن البهائم إن لم تعقل صحة التوحيد والنبوة لم تعتقد بطلان ذلك أيضاً.

{بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [(44) سورة الفرقان] لأن مثل ما ذكر في آخر الأمر أن البهائم إذا لم تعقل صحة التوحيد وتتعبد به أقل الأحوال أن جهلها بسيط، يعني لا تعلم، وأما جهل هؤلاء مركب، لا يعلمون ولا يعقلون التوحيد ولا يرون صحته ويعملون بضده وهو الشرك –نسأل الله السلامة والعافية-.

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [(45) سورة الفرقان] يجوز أن تكون هذه الرؤية من رؤية العين، ويجوز أن تكون من العلم، وقال الحسن وقتادة وغيرهما: مدّ الظل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وقيل: هو من غيبوبة الشمس إلى طلوعها، والأول أصح، والدليل على ذلك أنه ليس من ساعة أطيب من تلك الساعة، فإن فيها يجد المريض راحة، والمسافر وكل ذي علة، وفيها ترد نفوس الأموات والأرواح منهم إلى الأجساد، وتطيب نفوس الأحياء فيها، وهذه الصفة مفقودة بعد المغرب، وقال أبو العلية: نهار الجنة هكذا، وأشار إلى ساعة المصلين صلاة الفجر، قال أبو عبيدة: الظل بالغداة والفيء بالعشي؛ لأنه يرجع بعد زوال الشمس، سمي فيئاً؛ لأنه فاء من المشرق إلى جانب المغرب.

قال الشاعر وهو حميد بن ثور يصف سرحة وكنى بها عن امرأة:

فلا الظل من برد الضحى تستطيعه ... ولا الفيء من برد العشي تذوق

وعلى هذا يكون المراد بالظل من بعد طلوع الشمس إلى الزوال، والفيء يكون من الزوال إلى غروب الشمس؛ لأنه فاء إلى الجهة الأخرى يعني رجع إليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015