قلت: فإن قيل: هلا أنزل القرآن دفعةً واحدة وحفظه إذا كان ذلك في قدرته؟ قيل: في قدرة الله أن يعلمه الكتاب والقرآن في لحظة واحدة، ولكنه لم يفعل ولا معترض عليه في حكمه.
لا يسأل عما يفعل -جل وعلا-.
وقد بينا وجه الحكمة في ذلك، وقد قيل: إن قوله {كَذَلِكَ} من كلام المشركين: أي لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك.
يعني كما أنزل الكتب السابقة.
أي: كالتوراة والإنجيل، فيتم الوقف على {كَذَلِكَ} ثم يبتدئ {ولِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [(32) سورة الفرقان].
يعني هذا جواب الاقتراح الذي اقترحوه –اقترحه الكفار- هذا جوابه: {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}.
ويجوز أن يكون الوقف على قوله: جملة واحدة، ثم يبتدئ {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [(32) سورة الفرقان] على معنى: أنزلناه عليك كذلك متفرقاً؛ لنثبت به فؤادك، قال أبن الأنباري: والوجه الأول أجود وأحسن، والقول الثاني قد جاء به التفسير، حدثنا محمد بن عثمان الشيبي قال: حدثنا منجاب قال: حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [(1) سورة القدر] قال: أنزل القرآن جملة واحدة من عند الله -عز وجل- في اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء فنجَّمه السفرة الكرام على جبريل عشرين ليلة، ونجمه جبريل -عليه السلام- على محمد عشرين سنة، قال: فهو قوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [(75) سورة الواقعة] يعني نجوم القرآن {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [(76 - 77) سورة الواقعة] قال: فلما لم ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- جملةً واحدة، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [(32) سورة الفرقان] فقال الله -تبارك وتعالى-: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} يا محمد، {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [(32) سورة الفرقان] يقول: ورسلناه ترسيلاً، يقول: شيئاً بعد شيء.