وكره عقبة أن يتأخر عن طعامه من أشرف قريش أحد فأسلم ونطق بالشهادتين، فأتاه رسول الله وأكل من طعامه فعاتبه خليله أمية بن خلف، أو أبي بن خلف وكان غائباً، فقال عقبة: رأيت عظيماً ألا يحضر طعامي رجل من أشراف قريش، فقال له خليله: لا أرضى حتى ترجع وتبصق في وجهه، وتطأ عنقه، وتقول: كيت وكيت، ففعل عدو الله ما أمره به خليله، فأنزل الله -عز وجل-: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [(27) سورة الفرقان] قال الضحاك: لما بصق عقبة في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجع بصاقه في وجهه وشوى وجهه وشفتيه حتى أثر في وجهه وأحرق خديه فلم يزل أثر ذلك في وجهه حتى قتل، وعضه يديه فعل النادم الحزين لأجل طاعته خليله.

{يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} [(27) سورة الفرقان] في الدنيا، يعني: طريقاً إلى الجنة، {يَا لَيْتَنِي} دعا بالويل والثبور على مخالفة الكافر ومتابعته، {لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} [(28) سورة الفرقان] يعني أمية، وكنى عنه ولم يصرح باسمه؛ لئلا يكون هذا الوعد مخصوصاً به ولا مقصوراً، بل يتناول جميع من فعل مثل فعلهما، وقال مجاهد وأبو رجاء: الظالم عام في كل ظالم، وفلان: الشيطان، واحتج لصاحب هذا القول بأن بعده {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا} [(29) سورة الفرقان] وقرأ الحسن: (يا ويلتي) وقد مضى في (هود) بيانه، والخليل: الصاحب والصديق، وقد مضى في (النساء) بيانه.

{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ} [(29) سورة الفرقان] أي يقول هذا النادم: لقد أضلني من اتخذته في الدنيا خليلاً عن القرآن والإيمان به، وقيل: {عَنِ الذِّكْرِ} أي: عن الرسول، {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا} قيل: هذا من قول الله لا من قول الظالم، وتمام الكلام على هذا عند قوله: {بَعْدَ إِذْ جَاءنِي} [(29) سورة الفرقان]، والخذل الترك من الإعانة، ومنه خذلان إبليس للمشركين لما ظهر لهم في صورة سراقة بن مالك، فلما رأى الملائكة تبرأ منهم، وكل من صد عن سبيل الله وأطيع في معصية الله فهو شيطان للإنسان، خذولاً عند نزول العذاب والبلاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015