الثاني: الشكر على الإحسان إليهم والإنعام عليهم، {وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} أي هلكى، قاله ابن عباس مأخوذ من البوار وهو الهلاك، وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه- وقد أشرف على أهل حمص: يا أهل حمص هلمّ إلى أخ لكم ناصح، فلما اجتمعوا حوله قال: ما لكم لا تستحون؟! تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تدركون، إن من كان قبلكم بنوا مشيداً، وجمعوا عبيداً، وأملوا بعيداً، فأصبح جمعهم بوراً، وآمالهم غروراً، ومساكنهم قبوراً، فقوله: {بُورًا} أي هلكى.
يعني ليس عندهم ما ينكر إلا ما ذكر، ليس عندهم ما ينكر إلا ما ذكر، وإن كان ما ذكره يعني إنكاره لا شك أنه مزيد في التحري والحرص عليهم، وإن كان في الجملة لا ينكر، يقول: ما لكم لا تستحون، تبنون ما لا تسكنون، من يلوم على البناء اليوم؟ وتجمعون ما لا تأكلون، من يلوم على مثل هذا اليوم؟ وتأملون ما لا تدركون، ثم بعد ذلك بيّن لهم حال من تقدم، بنوا مشيداً، وجمعوا عبيداً، وأملوا بعيداً، فأصبح جمعهم بوراً، يعني هل هذه منكرات تنكر بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب على أهل بلدٍ بأكمله يدعوهم ويناديهم ثم يقول لهم ما ذكر؟ وما ذلك إلا لأن المعاصي لم تكن موجودة أو ما وجد منها لم يكن ظاهراً يجاهر به، فالذي ينكر مثل هذه الأمور اليوم مع وجود المنكرات المحققة التي فيها النصوص الصحيحة الصريحة لا شك أن إنكار المنكر الذي فيه مخالفة صريحة للنص هو الذي ينبغي إنكاره، أما مثل هذا فلا يلجأ إلى إنكاره إلا إذا لم يوجد المنكر الذي فيه المخالفة، يعني إنكار بالعموم، وبترك الأولى، ينكر عليهم لأن ما فعلوه خلاف الأولى، لا لأنه محرم، فالذي يبني قصر يقال له: حرام عليك تبني؟ الذي يشيد مسكناً له يرتاح فيه هو وأسرته لا ينكر عليه إلا إذا دخل في حيّز السرف.