قد يقول قائل: إن بعض الأساتذة وبعض المدرسين الفائدة منهم ليست كبيرة فأنا أخرج لأستفيد فائدة أكبر، أنت تعاقدت على أن تبقى في هذا المكان وفي شرح هذا الدرس المقرر عليك، وإلا لو افترضنا أنه يوجد في هذا المكان –في هذه الكلية– شخص هو أعلم الناس مثلاً، وأنت بين يدي شخص الفائدة منه قليلة وتقول: أنا أستأذن وأذهب إلى فلان –الذي هو العالم الحقيقي- وشيخ هذا الشيخ مثلاً، لا يجوز مثل هذا، العالم الفلاني له وقت آخر تذهب إليه، أما أنت في هذا الوقت وفي هذا الظرف عليك أن تلزم مكانك، وتلتزم بما تعاقدت عليه.
الثاني: قوله: {لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} وأي إذن ..
الأعذار، حينما يطلب عذر عن التخلف، كثير من الناس يتساهل فيها فيدلي بعذرٍ ليس بصحيح، وقد يكون لديه عذر ويبدي غيره؛ لأن الجهة لا تقبل إلا تقرير طبي، وهو مسافر –سفر حاجة- هو معذور في الحقيقة لكن الجهة لا تقبل هذا العذر، وإنما لا بد أن يكون بتقرير طبي ثم يزور تقرير طبي، هذا أيضاً لا يجوز، لا يجوز بحال، وبعضهم يتعاظم أن يفوته الامتحان ولا يعاد الامتحان والضرر كبير عليه، ثم يقول: هذه مفسدة يسيرة، نقول: لا يا أخي العلم المبني على هذه الأمور وعلى هذه المخالفات لا خير فيه.
وأي إذن في الحدث والإمام يخطب وليس للإمام خيار في منعه ولا إبقائه، وقد قال: {فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} فبين بذلك أنه مخصوص في الحرب، قلت: القول بالعموم أولى وأرفع وأحسن وأعلى {فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- بالخيار إن شاء أن يأذن وإن شاء منع، وقال قتادة: قوله: {فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} منسوخة بقوله: {عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} [(43) سورة التوبة].
يعني هذا في حال تعيّن الجهاد لا يجوز لمن تعين عليه أن يتخلف، كما أنه لا ينبغي للإمام أن يأذن له، وجاء عتاب النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك {عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ}.