التاسعة: قوله تعالى: {جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} {جَمِيعًا} نصب على الحال، و {أشتاتاً} جمع شت، والشت المصدر بمعنى: التفرق، يقال: شتَّ القوم: أي تفرقوا، وقد ترجم البخاري في صحيحه: باب: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} .. الآية، والنهد والاجتماع.
النهد المقصود به القطَّة، التي يسمونها الناس القطّّه، يعني يدفع كل فرد من أفراد المجموعة مبلغاً من المال ويشترون مجتمعين هذا الطعام ليأكلوه، وهذا لا شيء فيه ولو كان عرف من حال بعضهم أنه يأكل أكثر من بعض، هذا أمر يتسامح فيه.
بينما لو وضع هذا الأمر من أجل التجارة، ووجد التفاوت الكبير بينهم قيل: لا يجوز؛ لأن هذا مقابل عوض، ويراد من وراءه التجارة، مثل ما يقال: البوفية المفتوحة، لك ملئ بطنك حتى تشبع بمبلغ كذا، نقول: هذا ممنوع للجهالة؛ لأن بعضهم يأكل ما قيمته نصف ما يدفع وبعضهم يأكل ما قيمته ضعف ما يدفع، فهذا ممنوع للجهالة؛ لأن المسألة مسألة عقود وبيع وشراء، والجهالة لا بد من زوالها، أما مسألة الناس فهي مبنية على الإرفاق والاتفاق وكل واحد باذل من هذا الشيء لنفسه ولغيره، وليس المراد به العقد.
ومقصوده فما قاله علماؤنا في هذا الباب: إباحة الأكل جميعاً وإن اختلفت أحوالهم في الأكل، وقد سوغ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فصارت تلك سنةً في الجماعات التي تدعى إلى الطعام في النهد والولائم، وفي الإملاق في السفر، وما ملكت مفاتحه بأمانةٍ أو قرابةٍ أو صداقةٍ، فلك أن تأكل مع القريب أو الصديق ووحدك، والنِّهد: ما يجمعه الرفقاء من مالٍ أو طعام على قدر في النفقة ينفقونه بينهم، وقد تناهدوا عن صاحب العين، وقال ابن دريد: يقال من ذلك ...
وقد تناهدوا يعني المفاعلة من النهد، جاء ذكره عن صاحب العين منسوبة للخليل بن أحمد.