الأمر الثاني: إنه إن كان هذا الأمر يسير من هذا الصنف ويسير من ذلك الصنف لكنها إذا اجتمعت صار كثيراً، قد يقول قائل: أنا لا آخذ شيئاً يضره أنا آخذ حبتين من هذا المحل، وحبتين من المحل الذي يليه، وثلاث من الذي بعده، يأخذ من هذا تفاحة ومن هذا برتقالة، وهذا فستق، وهذا زبيب، وهذا .. يمشي وهو يرعى في طريقه، هو شيء يسير لا يضر بالناس لكن ليست هذه عيشة مسلم متقي ورع، الإنسان يتورع عن الحبة، النبي -عليه الصلاة والسلام- خشي أن تكون التمرة من الصدقة، ولا يقول: أن هذا محل صديق أو لا يضر به، هذا في البيوت، فيما يعدّ ويهيأ للضيوف، لا ما يدخر في المستودعات والمخازن أو المحلات التجارية.

السابعة: قرن الله -عز وجل- في هذه الآية الصديق بالقرابة المحضة الوكيدة؛ لأن قرب المودة لصيق.

الأسوأ من ذلك إذا أوهم صاحب المحل أنه يجرب، يريد أن يشتري لكنه يريد أن يجرب الطعام هل هو مناسب أو غير مناسب؟ وهو لا يريد الشراء في الحقيقة، مثل هذا لا شك في منعه.

قال ابن عباس في كتاب النقاش: الصديق أوكد من القرابة، ألا ترى استغاثة الجهنميين {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [(110 - 101) سورة الشعراء] قلت: ولهذا لا تجوز ..

ولذلك ما قالوا: ولا أبٍ ولا عمٍ ولا خال، {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} ما قالوا: فما لنا من آباء ولا أمهات ولا إخوان ولا أخوات ولا أعمام ولا أخوال، فدل على أن الصديق أوكد من القريب، وهذا جرت به العادة أن النفع المتبادل بين الأصدقاء أكثر مما يتبادل بين الأقارب؛ لأن أمور الأقارب مبنية في الغالب على الاحتشام، كل واحد يقدر الثاني، والآخر .. بينما الصديق ترتفع الكلفة فيما بينهم؛ لأنه لو حصل لأن ارتفاع الكلفة أحياناً يصير وسيلة إلى القطيعة، ارتفاع الكلفة أحياناً لأنه لا ينضبط بضابط ثم يتسبب في قطيعة فإذا حصلت القطيعة بين الصديق وصديقه أمره أخفّ من أن تقع هذه القطيعة بين الأقارب، فهم يتساهلون فيها من هذه الحيثية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015