أما لو قلت لشخص: أعطِ زكاتك، ابحث عن شخص محروم وأعطه زكاتك فإنه أفضل من السائل، ثم يذهب إلى شخصٍ عنده الأرصدة في البنوك لكنه لا ينفق منها، يقول: هذا المحروم في عرفنا؟ يخاطب في عرفه وإلا بالعرف بالشرعي؟ لا بد أن يبيّن له العرف الشرعي والاصطلاح الشرعي، وحينئذٍ يقال له: لا تعط المحروم، والله -جل وعلا- يقول: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(24 - 25) سورة المعارج] فأنت نهيت عمّن أمر الله بإعطائه مراعاة لاصطلاح هذا العامي الذي لا يعرف الحقيقة الشرعية، وإنما يعرف الحقيقة العرفية؛ لأنك لو قلت له: أعطِ المحروم وهو أفضل من السائل لذهب إلى شخص يملك الملايين والأرصدة الطائلة في البنوك لكنه مقتر على نفسه وعلى من يمون ويقول: هذا المحروم، صحيح هذا المحروم في عرف الناس لكن ليس هذا هو المقصود في الآية، فلا بد من ملاحظة هذا لا سيما عند مخاطبة من لا يفهم، لا بد من إفهامه.
وقد قال حسان:
وكانت لا يزال بها أنيس ... خلال مروجها نعم وشاءُ
فدع هذا ولكن من لطيف ... يؤرقني إذا ذهب العشاءُ
وقد قيل: إن هذا النهي عن اتباع الأعراب في تسميتهم العشاء عتمة إنما كان لئلا يعدل بهما عما سماها الله تعالى في كتابه إذ قال: {وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء}.
بمعنى أنه لا يطغى الاسم الأعرابي على الاسم الشرعي، لا يطغى بحيث لا تعرف إلا بهذا –العتمة- ولهذا جاء في الحديث: ((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم)) بمعنى أنكم تنسوا الاسم الشرعي، لا أنه لا يجوز أن يطلق بالكلية، وإنما لا يغلب عليه هذا الاسم بحيث تُنسى التسمية الشرعية.
فكأنه نهي إرشاد إلى ما هو الأولى، وليس على جهة التحريم، ولا على أن تسميتها العتمة لا يجوز، ألا ترى أنه قد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أطلق عليها ذلك، وقد أباح تسميتها بذلك أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما-وقيل: إنما نهى عن ذلك تنزيهاً لهذه العبادة الشريفة الدينية على أن يطلق عليها ما هو اسم لفعلةٍ دنيوية وهي الحلبة التي كانوا يحتلبونها في ذلك الوقت ويسمونها العتمة، ويشهد لهذا قوله: ((فإنها تعتم بحلاب الإبل)).