وأصل القاع الموضع المنخفض الذي يستقر فيه الماء، وجمعه قيعان، قال الجوهري: والقاع المستوي من الأرض، والجمع أقوع وأقواع وقيعان، صارت الواو ياء لكسر ما قبلها، والقيعة مثل القاع، وهو أيضاً من الواو، وبعضهم يقول: هو جمع.
{يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ} أي العطشان، {مَاء} أي يحسب السراب ماء، {حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} مما قدره، ووجد أرضاً لا ماء فيها، وهذا مثل ضربه الله تعالى للكفار يعولون على ثواب أعمالهم فإذا قدموا على الله تعالى وجدوا ثواب أعمالهم محبطةً بالكفر، أي لم يجدوا شيئاً، كما لم يجد صاحب السراب إلا أرضاً لا ماء فيها، فهو يهلك أو يموت ..
لأنه يستمر في طلب هذا السراب إلى أن يهلك.
{وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ} أي وجد الله بالمرصاد {فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} أي جزاء عمله، قال امرؤ القيس:
فولى مدبراً يهوي حثيثاً ... وأيقن أنه لاقى الحسابا
وقيل: وجد وعد الله بالجزاء على عمله، وقيل: وجد أمر الله عند حشره، والمعنى متقارب، وقرئ بقيعات قال المهدوي: ويجوز أن تكون الألف مشبعة من فتحة العين، ويجوز أن تكون مثل رجل عزهٍ وعزهاة للذي لا يقرب النساء، ويجوز أن يكون جمع قيعة، ويكون على هذا بالتاء في الوصل والوقف، وروي عن نافع وابن جعفر وشيبة: (الظمان) بغير همز، والمشهور عنهما الهمز، ظمئ يظمأ ظمأ فهو ظمآن، وإن خففت الهمزة فقلت: الظمان.
وقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} ابتداء {أَعْمَالُهُمْ} ابتداء ثان، والكاف من {كَسَرَابٍ} الخبر والجملة خبر عن {الَّذِينَ} ويجوز أن تكون {أَعْمَالُهُمْ} بدلاً من {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} أي: وأعمال الذين كفروا كسراب، فحذف المضاف.
قوله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ} [(40) سورة النور] ضرب تعالى مثلاً آخر للكفار، أي أعمالهم كسراب بقيعة، أو كظلمات، قال الزجاج: إن شئت مثل بالسراب، وإن شئت مثل بالظلمات فـ {أو} للإباحة حسبما تقدم من القول في {أَوْ كَصَيِّبٍ} [(19) سورة البقرة] وقال الجورجاني: الآية الأولى في ذكر أعمال الكفار، والثانية في ذكر كفرهم ..