وقد أغلقوا حوانيتهم، وقاموا ليصلوا في جماعة، فقال: فيهم نزلت {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ} الآية ... ، وقال أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله)) وقيل: إن رجلين كانا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أحدهما بياعاً فإذا سمع النداء بالصلاة فإن كان الميزان بيده طرحه ولا يضعه وضعاً، وإن كان بالأرض لم يرفعه، وكان الآخر قيناً يعمل السيوف للتجارة، فكان إذا كانت مطرقته على السندان أبقاها موضوعة، وإن كان قد رفعها ألقاها من وراء ظهره إذا سمع الأذان ..
نعم، إذا رفع المسحاة إن كان فلاح مثلاً –مزارع– أو عامل رفع المسحاة ليضرب بها الأرض لتلين للزرع فإذا سمع النداء ألقاها من وراء ظهره، ولا يعيدها إلى مكانها، وهذا من تمام الامتثال، الله المستعان.
فأنزل الله تعالى هذا ثناء عليهما، وعلى كل من اقتدى بهما.
الثامنة عشرة: قوله تعالى: {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} هذا يدل على أن المراد ..
قد يقول طالب العلم: أنا لا تلهيني التجارة ولا البيع عن الصلاة، ولا عن ذكر الله ولا شيء، لكن يلهيني طلب العلم، أنا جالس في المكتبة أحفظ وأراجع الكتب وأسمع النداء ولا أجيب، وإنما أخرج قبيل الإقامة، لأني مشغول بالعلم لا مشغول بالتجارة ولا بيع، أشتغل بالعلم، والعلم عند أهل العلم مقرر أنه أفضل من نوافل العبادة، وعلى كل حال كل وقت له عمله الشرعي، فإذا أذن فالصلاة، والله المستعان.
قوله تعالى: {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} هذا يدل على أن المراد بقوله: {عَن ذِكْرِ اللَّهِ} غير الصلاة؛ لأنه يكون تكراراً يقال: أقام الصلاة إقامة، والأصل إقواماً، فقلبت حركة الواو على القاف فانقلبت الواو ألفاً وبعدها ألف ساكنة فحذفت إحداهما، وأثبتت الهاء؛ لئلا تحذفها فتجحَف ..
فتجحِف، يعني إذا حذفتها أجحفت.
فلما أضيفت قام المضاف مقام الهاء، فجاز حذفها، وإن لم تضف لم يجز حذفها، ألا ترى أنك تقول: وعد عدة، ووزن وزنة، فلا يجوز حذف الهاء؛ لأنك قد حذفت واواً؛ لأن الأصل وعد وعدة، ووزن وزنة، فإذا أضفت حذفت الهاء، وأنشد الفراء:
إن الخليط أجدوا البين فانجردوا ... وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا