الثالثة عشرة: قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ} [(36 - 37) سورة النور] اختلف العلماء في وصف الله تعالى المسبحين، فقيل: هم المراقبون أمر الله الطالبون رضاءه الذين لا يشغلهم عن الصلاة وذكر الله شيء من أمور الدنيا، وقال كثير من الصحابة: نزلت هذه الآية في أهل الأسواق الذين إذا سمعوا النداء بالصلاة تركوا كل شغل، وبادروا ورأى سالم بن عبد الله أهل الأسواق، وهم مقبلون إلى الصلاة، فقال: هؤلاء الذين أراد الله بقوله: {لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} وروي ذلك عن ابن مسعود، وقرأ عبد الله بن عامر وعاصم في رواية أبي بكر عنه والحسن {يسبَّح له فيها} بفتح الباء على ما لم يسم فاعله، وكان نافع وابن عمر وأبو عمرو وحمزة يقرؤون {يسبِّح} بكسر الباء، وكذلك روى أبو عمرو عن عاصم فمن قرأ {يسبح} بفتح الباء كان على معنيين: أحدهما: أن يرتفع {رجال} بفعل مضمر دل عليه الظاهر، بمعنى يسبحه رجال ..
كأن فيه تقدير سؤال، يسبّح له فيها بالغدو والآصال، كأنه قيل: من يسبحه؟ الجواب معاد في السؤال، يعني إعادة السؤال في الجواب معروفة، كأنه قال: يسبحه رجال، جواباً عن هذا السؤال.
فيوقف على هذا على {الْآصَالِ} وقد ذكر سيبويه مثل هذا وأنشد:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطوائح
كأنه قال: من يبكيه؟ قال: يبكيه ضارع.
المعنى: يبكيه ضارع، وعلى هذا تقول: ضُرب زيد عمرو، على معنى ضربه عمرو، والوجه الآخر: أن يرتفع {رِجَالٌ} بالابتداء والخبر، {فِي بُيُوتٍ} أي في بيوت أذن الله أن ترفع رجال، و {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا} حال من الضمير في {تُرْفَعَ} كأنه قال: أن ترفع مسبحاً له فيها، ولا يوقف على {الْآصَالِ} على هذا التقدير ومن قرأ {يسبح} بكسر الباء لم يقف على {الْآصَالِ} لأن {يسبح} فعل للرجال، والفعل مضطر إلى فاعله، ولا إضمار فيه، وقد تقدم القول في {الْغُدُوِّ وَالآصَالِ} في آخر الأعراف، والحمد لله وحده ..
يعني: الغداة أول النهار والأصيل آخره، يسبحونه في أوائل النهار وفي آخره، ومن آناء الليل أيضاً.