السادسة عشرة: في ميراث المكاتب، واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: فمذهب مالك أن المكاتب إذا هلك وترك مالاً أكثر مما بقي عليه من كتابته وله ولد ولدوا في كتابته أو كاتب عليهم ورثوا ما بقي من المال بعد قضاء كتابته؛ لأن حكمهم كحكمه، وعليهم السعي فيما بقي من كتابته لو لم يخلف مالاً، ولا يعتقون إلا بعتقه، ولو أدّى عنهم ما رجع بذلك عليهم؛ لأنهم يعتقون عليه فهم أولى بميراثه لأنهم مساوون له في جميع حاله ..

الكتابة دين من الديون مقدمة على الإرث كما هو معلوم.

والقول الثاني: أنه يؤدى عنه من ماله جميع كتابته، وجعل كأنه قد مات حراً، ويرثه جميع ولده، وسواء في ذلك من كان حراً قبل موته من ولده، ومن كاتب عليهم أو ولدوا في كتابته؛ لأنهم قد استووا في الحرية كلهم حين تأدّت عنهم كتابتهم، روي هذا القول عن علي وابن مسعود، ومن التابعين عن عطاء والحسن وطاوس وإبراهيم، وبه قال فقهاء الكوفة سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن صالح بن حي، وإليه ذهب إسحاق.

والقول الثالث: أن المكاتب إذا مات قبل أن يؤدي جميع كتابته فقد مات عبداً، وكل ما يخلفه من المال فهو لسيده، ولا يرثه أحد من أولاده، لا الأحرار ولا الذين معه في كتابته؛ لأنه لما مات قبل أن يؤدي جميع كتابته فقد مات عبداً، وماله لسيده فلا يصح عتقه بعد موته؛ لأنه محال أن يعتق عبد بعد موته وعلى ولده الذين كاتب عليهم أو ولدوا في كتابته أن يسعوا في باقي الكتابة، ويسقط عنهم منها قدر حصته، فإن أدّوا عتقوا؛ لأنهم كانوا فيها تبعاً لأبيهم، وإن لم يؤدوا ذلك رقوا، هذا قول الشافعي، وبه قال أحمد بن حنبل، وهو قول عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وعمر بن عبد العزيز والزهري وقتادة ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015