الثانية: روى الترمذي عن نبهان مولى أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها ولميمونة، وقد دخل عليها ابن أم مكتوم: ((احتجبا)) فقالتا: إنه أعمى، قال: ((أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ )) فإن قيل: هذا الحديث لا يصح عند أهل النقل؛ لأن راويه عن أم سلمة نبهان مولاها، وهو ممن لا يحتج بحديثه، وعلى تقدير صحته فإن ذلك منه -عليه السلام- تغليظ على أزواجه لحرمتهن، كما غلظ عليهن أمر الحجاب، كما أشار إليه أبو داود وغيره من الأئمة، ويبقى معنى الحديث الصحيح الثابت وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: ((تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، ولا يراك)) قلنا: قد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن المرأة ..
دلالة الحديث الأول: ((احتجبا)) ((أفعمياوان؟ )) هذا بالنسبة إلى نظر المرأة إلى الرجل، سواءً كان مبصراً أو أعمى، فتمنع من النظر إليه، من تكرار النظر إليه بشهوة تمنع منه، سواءً كان مبصراً أو أعمى، ولو لم يثبت الحديث، لعموم {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ} [(31) سورة النور] سواء كان أعمى أو مبصر، بالنسبة للعكس نظر الرجل للمرأة، التي في حديث فاطمة هذا لا شك أنه بالنسبة إلى الأعمى أقل ضرراً من المبصر؛ لأنه لا يرى، والوسيلة التي موصلة إلى الفاحشة بالنسبة إلى الأعمى مأمونة، التي هي النظر إلى المرأة، فلا تعارض بين الخبرين؛ لأن الحديث الأول، حديث ميمونة هذا بالنسبة إلى نظر المرأة إلى الرجل، هذا ممنوع سواءً كان الرجل مبصراً أو أعمى.
وأما بالنسبة للحديث الثاني، حديث فاطمة بنت قيس، وهو في الصحيحين وغيرهما، مثل هذا لا شك أن ضرر الرجل الأعمى عند الاحتياج إلى أن تعتد عنده، ليس معنى هذا أنه يخلو بها، أبداً، لكن إذا خرج من محل إلى محل في داخل بيته فإنه يكون الخطر منه أقل، تضعين ثيابك ولا يراك.