الأولى: قوله تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ} [(40) سورة الحج] هذا أحد ما ظلموا به، وإنما أخرجوا لقولهم: ربنا الله وحده، فقوله: {إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [(40) سورة الحج] استثناء منقطع، أي لكن لقولهم ربنا الله قاله سيبويه، وقال الفراء يجوز أن تكون في موضع خفض يقدرها مردودة على الباء، وهو قول أبي إسحاق الزجاج والمعنى عنده: الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا بأن يقولوا: ربنا الله أي أخرجوا بتوحيدهم أخرجهم أهل الأوثان، و {الَّذِينَ أُخْرِجُوا} [(40) سورة الحج] في موضع خفض بدلاً من قوله: {لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} [(39) سورة الحج].
الثانية: قال ابن العربي: قال علماؤنا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب، ولم تحل له الدماء، إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل مدة عشرة أعوام؛ لإقامة حجة الله تعالى عليهم، ووفاء بوعده الذي امتن به بفضله في قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [(15) سورة الإسراء] فاستمر الناس في الطغيان، وما استدلوا بواضح البرهان، وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من قومه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم عن بلادهم، فمنهم من فر إلى أرض الحبشة، ومنهم من خرج إلى المدينة، ومنهم من صبر على الأذى، فلما عتت قريش على الله تعالى، وردوا أمره وكذبوا نبيه -عليه السلام- وعذبوا من آمن به ووحده وعبده وصدق نبيه -عليه السلام- واعتصم بدينه أذن الله لرسوله في القتال والامتناع والانتصار ممن ظلمهم، وأنزل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [(39) سورة الحج] إلى قوله: {الْأُمُورِ} [(41) سورة الحج].
الثالثة: في هذه الآية دليل على أن نسبة الفعل الموجود من المُلجأ المكره إلى الذي ألجأه وأكرهه؛ لأن الله تعالى نسب الإخراج إلى الكفار ...
الخروج منهم، هم الذين خرجوا، الخروج منهم، الصحيح أن السبب في خروجهم الأذى من الكفار فكأنهم أخرجوهم، ألجأهم إلى الخروج.