ابن القيم -رحمه الله- فصل هذا تفصيل دقيق وبديع في (طريق الهجرتين) وتكلم بكلام مفصل، ومنهج واضح للطبقة الأولى والثانية ممن سماهم المقربين والأبرار، والمقربون لا شك أنهم أفضل من الأبرار، ورسم المنهج الذي يسير عليه المقربون، والمنهج الذي يسير عليه الأبرار، فجعل المقربين طبقة عليا، يليق بهم الجنتان الأوليان {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [(46) سورة الرحمن] من دون هاتين الجنتين جنتان أخريان، دونهما في المنزلة، يعني أقل منهما في المستوى المؤلف يرى أنها أيضاً لمن خاف مقام ربه، والجمهور على أن الجنتين الأوليين للمقربين، والأخريين لأصحاب اليمين يعني الأبرار، على أن من أهل العلم من يرى أن الجنتين الأخريين أفضل وأعلى من الجنتين الأوليين، يعني الجمهور على أن الجنتين الأوليين أفضل وأعلى منزلة وأكثر إكرام لأصحابهما من الجنتين الأخريين، هذا قول جماهير المفسرين؛ لأنه قال في الأخريين: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [(62) سورة الرحمن] دونهما يعني في المنزلة، قول آخر في المسألة وهو مروي عن الضحاك ومقاتل والترمذي الحكيم -يفرق بين الترمذي هذا الحكيم صاحب نوادر الأصول، وبين الترمذي صاحب الجامع المعروف- ويرجحه الزمخشري أن الجنتين الأخريين أفضل من الجنتين الأوليين، طيب "من دونهما"؟ إيش معنى: "من دونهما" عند هؤلاء؟ نعم هي غيرهما، لكن كيف نقول: "من دونهما"؟ إذا قلت: هذا دون هذا يعني أنه أقل إما في المكان أو في المكانة، إما في المكان أو في المكانة، هم يقولون: نعم هاتان الجنتان الأخريان دون الجنتين الأوليين بالنسبة إلى العرش، يعني أقرب إلى العرش من الجنتين الأخريين، فهما أفضل منهما، والقرطبي ذكر مقارنة بين الجنتين الأوليين والأخريين، وكذلك الحافظ ابن كثير مقارنة من وجوه متعددة، وكلها تدل على أن الجنتين الأوليين أفضل وأعلى وأسنى من الجنتين الأخريين.