هناك قال {منتشر} لا يدرون أين يذهبون من الخوف والحيرة، ثم قال: {مهطعين} أي: مسرعين مادين أعناقهم إلى الداعي يعني إلى مصدر الصوت، إذاً هم يدرون أين يذهبون، والتمثيل بالجراد هنا في هذا الموطن قالوا: لإن الجراد سياقه واحد، وطريقه واحد، نعم إذا وجد عدد يسير حول نور، نعم تجده يذهب إلى هذه النور ويفارقها ويرجع إليها وهكذا، لكن الجراد في الجملة يأتي من جهة إلى جهة، فجهته معروفة بخلاف الفراش، الفراش لا جهة له.

وقوله: {كأنهم جراد منتشر} "لا يدرون أين يذهبون من الخوف والحيرة والجملة حال"، لكنه قال بعد ذلك مهطعين إلى الداعي مسرعين إليه، وقد يقول قائل: إن تمثيلهم بالجراد وبالفراش في أول الأمر، أول ما يخرجون من الأجداث يتخبطون، ثم إذا نودوا إلى الحساب اتجهوا إلى مصدر الصوت، {مهطعين} يعني "مسرعين مادين أعناقهم"، {إلى الداع} بدون ياء وقرئ بها ولا يوجد سبب لحذفها غير إتباع الرسم، يعني حذفها هذا منقوص مقترن بأل مثل "القاضي" الأصل فيه الياء، نعم إذا تكرر وكثر على اللسان مثلما تقول: عمرو بن العاص وأصلها العاصي، شداد بن الهاد ابن الهادي إذا كثرت وثقلت على اللسان لا مانع عند أهل العربية، لكن يبقى {مهطعين إلى الداع} هذا إتباعا للرسم، ولا تجوز مخالفته مع أنه قُرئ بالياء وعدمها، منهم من يقرؤها على رسمها بدون ياء، ومنهم من يثبت الياء؛ لأنها الأصل.

{ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [(64) سورة الكهف] أصلها نبغي ولا يوجد ما يدل على ما يوجب حذف الياء إلا إتباع الرسم، وإتباع الرسم واجب عند أهل العلم ولا يجوز تغييره بحال أجمعت الأمة على هذا الرسم، وتلقوه جيلاً عن جيل فلا يجوز تغييره، ولذلك المطالبات التي حصلت بكتابة المصحف بالكتابة الإملائية المعروفة هذه وإن كانت موجودة وقائمة إلا أنها مردودة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015