{فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} يعني بفضل الله عليك، ما أنت بإنعامه عليك، ما أنت بكاهن، خبر ما بكاهن، واقترن خبر ما بالباء معاملة لها معاملة ليس وهي حينئذ على هذا القول حجازية، حجازية يعني تعمل عمل ليس، أما تميمية فلا تعمل فهي في هذه الآية حجازية؛ لأنه اقترنت الباء بخبرها مثل ليس " {فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} بإنعامه عليك"، {بِكَاهِنٍ} يعني تدعي الغيب، وتتلقفه من مسترق السمع لست كذلك، و {لا مَجْنُونٍ} معطوف عليه يقال: كاهن، يقال: ساحر، يقال: مجنون، لكن الذب يصف بهذه الأوصاف المتناقضة المتباينة كاهن يختلف تصرف الكاهن عن تصرف المجنون، المجنون لا يعي ما يقول، والشاعر يضبط ما يقول، ويزن ما يقول أكثر مما يزنه الناثر، فكيف مرة يقولون: شاعر يعني -كلامه موزون منضبط، متسق، مقفى-، ثم يقولون: مجنون لا يعي ما يقول، لا شك أن هذا تخبط مما يدل على أن قولهم لا أصل له، ولا رصيد له من الواقع، بل هم في قرارة أنفسهم يشهدون له بضد ذلك، يشهدون له بخلاف ذلك، لكنهم من باب المعاندة، ومن باب التزهيد فيه وفيما جاء به يصفونه بهذه الأوصاف، " {وَلَا مَجْنُونٍ} معطوف عليه"، معطوف على المجرور مجرور، يقول هنا: {أَمْ} بمعنى "بل" تكون إضراب، والأصل أنه استفهام إنكاري، يعني كما قال الخليل: أم في سورة الطور كلها استفهام، وكررت خمس عشرة مرة في هذه السورة، {يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [(30) سورة الطور] حوادث الدهر فيهلك كغيره من الشعراء"، وهذا شاعر من الشعراء مثل ما مات الشعراء زهير وقبله امرأ القيس يهلك ونرتاح منه، " {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} حوادث الدهر فيهلك كغيره من الشعراء.