ولذلك لو استعرضتم كتب الطلاب التي يحضرون بها الدروس لوجدت التفاوت العجيب، تجد هذا الكلام مفيد عند فلان، والكلام غير مفيد عند فلان لكنه كتب غيره، وحينئذ تعليق الشيخ على الكتاب ينبغي أن ينظر في جميع الكتب الموجودة، ما ينظر إلى تعليق واحد، هذا مجرد استطراد وإلا فالذي عندنا المسألة خلافية، هل يكتب الملكان كل شيء حتى ما لا ثواب فيه ولا عقاب ثم بعد ذلك يمحو الله ما يشاء ويثبت؟ أو يقال: إنه لا يكتب إلا ما يثاب عليه أو يعاقب به لأنه هو محل الجزاء؟ وهما قولان معروفان عند أهل العلم، والآية مخيفة بالنسبة لمن يطلق لسانه بالقيل والقال، من يطلق لسانه بالقيل والقال {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(18) سورة ق] فعلى الإنسان أن يتحرى، ولذا لما قال معاذ -رضي الله عنه-: "وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)) أنت مؤاخذ بالكلام، بالقيل والقال، والإنسان الذي عود نفسه على كثرة الكلام لا شك أن من كثر كلامه كثر سقطه، وقد يتحرى في المجلس الأول ولا يقول إلا المباح، لكنه قد يضطر بعد ذلك إلى المفضول والفضول من الكلام، ثم إلى المحرم منه، وهذا شيء مشاهد.
{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ} [(18) سورة ق] "حافظ" {عَتِيدٌ} "حاضر وكل منهما بمعنى المثنى" رقيب وعتيد مثل قعيد، يخبر بهما عن الاثنين، الأصل أن يقال: رقيبان، عتيدان، لأنهما ملكان، لكن يخبر بفعيل كما قال: قعيد مثل {رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ} [(56) سورة الأعراف] قال: أيضاً رقيب وعتيد وهما اثنان، ولذا قال المفسر: "وكل منهما بمعنى المثنى".