التعليق
الرسول - عليه الصلاة والسلام - حَدَّثَ أصحابه بهذين الحديثين، ولم يكن - ولله الحمد - عندهم فيهما إشكال , لأنهم يفهمون عن الله وعن رسوله مراده , ويفهمون دلالات الكلام , إنما جاء الاضطراب لَمَّا ظهرت البدع وغلب على أصحابها هذه البدع والأهواء، فصاروا يتبعون المتشابه؛ كما قال الله: " فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه " [آل عمران: 7] فهذه الأحاديث إنما يُشكل فهمها أو يفهمها على غير وجهها إما جاهل لا يفهم دلالات السياق أصلا لقصور فهمه , أو أنه يكون صاحب بدعة يحمله ما يذهب إليه إلى أَنْ يُحَمِّلَ النصوصَ ما لا تحتمل، وَيَدَّعِيْ فيها ما ليس هي دالةٌ عليه؛ والحمد لله رب العالمين.
وما يتعلق بالمثال الحادي عشر - وهو حديث الولي - في قوله في الحديث القدسي: " كنت سمعه. . . بصره " كما قال الشيخ ليس ظاهره أن الله يصير عينًا للإنسان أو يدًا أو رجلًا أو أذنًا، أو أن يصير متحدًا بالمخلوق أو حالًّا فيه , هذا معنى باطل لا يسبق إلى أذهان ذوي الفطر السليمة , " كنت سمعه الذي يسمع به وبصره " يعني أصبح لا ينظر إلا بالله , لا ينظر إلا ما يحب الله منه النظر إليه , إلا ما أمره الله بالنظر إليه , ولا يسمع إلا ما أمر الله باستماعه، ولا يبطش ولا يأخذ إلا ما أمر الله به؛ فهو مطيع لربه بجوارحه كلها، وجوارحه خاضعة لله لا يتصرف فيها إلا بأمر الله استعانة وعبادة , مستعينًا بالله عابدًا لله بسمعه وبصره ويده ورجله.
وهكذا الحديث الثاني: " مَنْ تقرب إليَّ شبرًا " تقرب إليَّ بالعبادة , فالعبد يتقرب إلى ربه , ويَقْرُب من ربه , لكن ليس هو القرب المحسوس " من تقرب إليَّ شبرًا تقربت منه ذراعًا، ومن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت منه باعًا " فالله يَقْرُب من عبده كيف شاء، والعبد يقرب من ربه قربًا معنويًا وروحيًا، هو في مضجعه في منامه في مكانه لكن روحه عند ربه , بتوجهه