قال: [وينفق على المفلس وعلى من تلزمه مؤنته من ماله إلى أن يفرغ من القسمة]، أي: لو أن ولي الأمر جاء إلى رجل مفلس وباع ممتلكاته -ومعلوم أن بيع الممتلكات لن يتم بين عشية وضحاها، وإنما سيتم في زمن لا بأس به، والمفلس هذا له زوجة وأولاد يحتاج إلى من ينفق عليهم- فينفق عليه ولي الأمر وعلى من تلزمه مؤنته من ماله إلى أن يفرغ من القسمة.
قال: [وذلك أنه إذا حجر عليه]، والحجر هو: منع التصرف في الملك؛ لأنه ربما قد يكون سفيهاً أو مديوناً للآخرين.
ثم قال: [فإن كان ذا كسب يفي بنفقته ونفقة من تلزمه نفقته فنفقته في كسبه]، والمعنى: هب أن هذا الرجل المديون المفلس يعمل بأجر يومي أربعين جنيهاً، إذاً فعمله يفي بنفقته ونفقة من يعول، ولذا فلا ينفق عليه الحاكم، لأن له عمل يتكسب منه.
قال: [لأنه لا حاجة إلى إخراج ماله وهو يكسب ما ينفقه؛ ولأنه مستغن بكسبه عن ماله، فلم يجز أخذ ماله كما لم يجز أخذ زيادة عن النفقة، وإن كان كسبه دون نفقته كملناها من ماله]، أي: إن كان أجره في اليوم عشرين جنيهاً وينفق في اليوم أربعين جنيهاً، فنكمل نفقته من ماله ونعطيه عشرين أخرى من ماله؛ حتى ينفق على نفسه وعلى من يعول.
قال: [وإن لم يكن ذا كسب أنفق عليه من ماله في مدة الحجر وإن طالت؛ لأن ملكه قبل القسمة باقٍ وقد قال عليه السلام: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول)]، فتأمل الشريعة الإسلامية وهي تدعو إلى أن ننفق على المديون المفلس إلى أن ننتهي من بيع ماله، لذا كان لابد على ولي الأمر أن يضمن حد الكفاف لكل فرد في المجتمع، فيوفر لكل واحد في المجتمع مسكناً ودابة ومأكلاً ومشرباً، لأنه مسئول أمام الله عز وجل عن ذلك، فهذا عمر بن عبد العزيز جمع الزكاة ثم زوج الشباب، لأنه عرف أنه مسئول أمام الله عز وجل، وعليه فحينما يحكم الإسلام يعم الخير ويسود الرخاء، حتى المديون المفلس -كما ذكرنا- حينما أبيع ما يتملكه لا بد من أن أنفق عليه طيلة مدة البيع وإن طالت.
وحديث: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) حديث عظيم جداً؛ لأن بعض الناس هداهم الله قد يأكل المشوي ويأتي إلى بيته بالفول والطعمية للزوجة وللأبناء! فهذا رجل لا يعرف كيف يوفي الحقوق أو حق الله عز وجل في زوجته وأولاده، والآخر قد يسافر إلى مكان آخر ويأتي بذهب يساوي ستة آلاف جنيه، وزوجته ربما قد تأخذ ملابس من جيرانها وهو يلبس أحسن الملابس! وهذا موجود يا عبد الله في كثير من البيوت، لذا خير الدراهم درهم ينفقه الرجل على أهله، والصدقة على الأقارب صدقة وصلة رحم.
قال: [ومعلوم أن فيمن يعوله من تجب عليه نفقته وتكون ديناً عليه وهي الزوجة، فإذا قدم نفقة نفسه على نفقة الزوجة فكذلك على حق الغرماء] ولأن الحي آكد حرمة من الميت؛ لأنه مضمون بالإتلاف، [وتقديم تجهيز الميت ومؤنته على دينه]، يعني: إن مات المديون أو المفلس فتجهيزه وتكفينه يكون على دينه، باعتباره نفقة تجب للميت، وهذا تعليل عند المصنف في قوله هذا.