قال المؤلف رحمه الله: [الشرط الثالث: أن يذكر قدره بالكيل في المكيل، والوزن في الموزون، والذرع في المذروع].
فالقمح يكال وأحياناً يوزن، والحكم على الشيء يخرج مخرج الغالب.
مثال ذلك: قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} [الأنعام:151]، فقال رجل: أنا لن أقتل ولدي من إملاق إنما سأقتله من غنى، فهذا قول لا يجوز؛ لأن الكلام خرج مخرج الغالب.
كذلك قال الله تعالى: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130]، فقال رجل: سآكل الربا قطعة قطعة، فنقول: لا يا عبد الله! إن الكلام خرج مخرج الغالب، فقد كان يغلب على فعلهم أنهم كانوا يأكلون الربا أضعافاً، فالتحجر عند النصوص لا يجوز.
فإن قيل: هل هناك فرق بين بيع السلم وبين ما ليس عندي؟
صلى الله عليه وسلم الشريعة السمحاء على أن السلعة التي ليست عندك أبيح فيها السلم لتسهيل التعامل، لكن بيع ما ليس عندك أن تبيع ما لا تملك.
قال رحمه الله: [الشرط الثالث: أن يذكر قدره بالكيل في المكيل، والوزن في الموزون، والذرع في المذروع؛ لحديث ابن عباس في أول الباب؛ ولأنه عوض غير مشاهد ثبت في الذمة، فاشترط معرفة قدره كالثمن، فلو أسلم في المكيل وزناً، أو في الموزون كيلاً، لم يصح].
وهذا القول ليس على إطلاقه؛ لأن ابن تيمية يقول: يجوز بيع السلم إن لم يختلف المكيل عن الموزون، أي: إن اتفقا في الوزن والكيل يجوز؛ ولذلك في الاختيارات الفقهية لـ ابن تيمية: أنه يجوز خلافاً للمذهب.
عموماً قال: [لأنه مبيع اشترط معرفة قدره فلم يجز بغير ما هو مقدر به كالربويات، وعنه: ما يدل على الجواز].
وهذه الرواية الراجحة التي رجحها ابن تيمية.
قال: [ولا بد أن يكون المكيال معلوماً عند العامة].
يعني مثلاً: أبيعك كيلة من القمح بالسلم بعد ستة أشهر بمقدار كذا، ومواصفات القمح كذا، والمكيال الذي اتفقنا عليه معلوم عندي وعندك وهو موجود، لكن مثلاً هذا المكيال لا يوجد في مصر إلا عند بائع واحد فقط، فالمكيال غير معروف عند الناس، ولو فقد هذا المكيال لم يمكن البيع، فلا بد أن يكون المكيال معروفاً عند الناس، ولا نلجأ إلى غيره في حال عدم وجوده.
قال: [ولا بد أن يكون المكيال معلوماً عند العامة، فإن قدره بإناء أو صنجة بعينها غير معلومة لم يصح؛ لأنه قد يهلك فيجهل قدره، وهذا غرر لاحتياج العقد إليه].
إذاً الشرط الثالث: أن يذكر قدره بالكيل في المكيل، وبالوزن في الموزون، بالذرع في المذروع.