الظاهرية كـ ابن حزم ومن معه، وبعض علماء السلف تمسكوا بهذا النص، فقالوا: إن الربا في الأنواع المذكورة في الحديث فقط.
وهذا القول رده جمهور العلماء، وهو يخالف روح الشريعة؛ لأن الشريعة لا تغاير بين متماثلين ولا تجمع بين متناقضين، وهذه قاعدة مهمة جداً، قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [الأنعام:50].
فالأعمى والبصير متناقضان، ولا تفرق بين متماثلين، فإذا كان هذا مثل هذا فلا بد أن يكون له حكمه؛ لأنهما سواء.
وعلى هذا فالذهب والفضة لهما علة في التحريم، والأربعة الباقية لها علة.
فأما علة تحريم الذهب والفضة فقال الأحناف والحنابلة: الوزن، وقال غيرهم: الثمنية، وأما العلة في الأصناف الأخرى فقال بعضهم: إنها مكيلة، وقال بعضهم: إنها مطعومة.
ولو حققنا موضع العلة لعرفنا الخلاف.
فلو أن رجلاً باع طناً من الحديد بطنين من الحديد فإنا قلنا: الحديد موزون، فلو أن العلة في تحريم الذهب والفضة هي الوزن، لقلنا: هذا التعامل ربوي، لأن العلة هي الوزن.
ولو أن رجلاً باع كتاباً بكتابين لكان جائزاً؛ لأن هذا التعامل ليس مطعوماً ولا مأكولاً ولا موزوناً.
والراجح: أن العلة في الذهب والفضة الثمنية، وقول الأحناف والحنابلة بأن العلة هي الوزن قول ضعيف ومرجوح، وعلى هذا فلو أنني استبدلت طناً من النحاس بطنين منه فهذا عند الحنابلة والأحناف ربا، والراجح أنه ليس بربا؛ لأن العلة في الذهب والفضة هي الثمنية، وقيمتها في كونها لها قيمة ثمنية، ومعنى ذلك أن هذه النقود فيها ربا؛ لأن لها قيمة، فلو أننا اليوم تعارفنا على شراء السلع بالحديد لدخله الربا؛ لأن العلة في الذهب والفضة الثمنية، فأي سلعة لها ثمنية التعامل جرى فيها الربا، ولذلك يجري الربا في الأوراق النقدية والعملة الفضية؛ لأن الثمنية هي علة التحريم في الذهب والفضة.
وأما علة التحريم في الأصناف الأربعة الأخرى فقال بعضهم: الكيل، وقال بعضهم: الطعم، والراجح ما حققه ابن تيمية من كونها مطعومة ومكيلة، فلو أني أعطيتك برتقالة فأعطيتني برتقالتين فهذا ليس بربا؛ لأن البرتقال مطعوم ولكنه غير مكيل، ونحن نشترط في التعامل الربوي أن يكون مطعوماً ومكيلاً.
فلو أعطيتك إردباً من القمح، وأخذت منك إردبين فهذا ربا؛ لأنه مكيل ومطعوم.
ولو أعطيتك كيلوين من التمر وأخذت منك كيلو واحد رطباً فهذا ربا؛ لأنه مكيل ومطعوم.
وكذلك لو أعطيتك كيلوين ذرة وأخذت منك كيلو واحد.
وأما لو أعطيتك بطيخة ببطيختين فهذا مطعوم وليس مكيلاً، فليس فيه ربا.
ولو كان معك كيلو أرز من الدرجة الأولى وأردت استبداله بكيلوين من الدرجة الثانية فهذا عين الربا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البر بالبر، والقمح بالقمح، والشعير بالشعير).
والأرز من هذا الجنس، فهو مطعوم ومكيل، وقد أتى بلال بتمر من خيبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بلال! أوكل تمر خيبر هكذا؟ قال: يا رسول الله! هذا تمر طيب نستبدله بتمر رديء قال: هو عين الربا يا بلال!).
واليوم إذا أرادت المرأة أن تستبدل الذهب القديم بذهب جديد فإنها تدفع الفارق بينهما وهذا ربا، فلا بد أن تبيع القديم أولاً وتحصل على ثمنه، ثم تشتري منه أو من غيره؛ لأنه لا يجوز في الذهب والفضة إلا بالمثل.