قال المصنف رحمه الله: [ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرجل على بيع أخيه؛ لقوله عليه السلام: (لا يبع بعضكم على بيع بعض)].
وكلمة (نهى) تفيد التحريم، فالنهي يفيد التحريم، قال تعالى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، ونهاكم؛ أي: حرم عليكم.
وقد نهى عن بيع الرجل على بيع أخيه، فالبيع لا بد أن يكتمل، والبيع بدون اكتمال لا يعد بيعاً، فإذا عاين السلعة واتفقا على الثمن ودفع الثمن فقد انتقلت الملكية إلى المشتري، ثم لا بد أن يتفرقا حتى يتم البيع، والفرقة تكون بالأبدان، ولذلك يقول الشيخ ابن عثيمين: لو أنك اشتريت سلعة في طائرة، ثم أقلعت الطائرة من المطار الساعة الثامنة مساءً، ووصلت إلى المطار الآخر صباحاً فإنك لم تفارق البائع، ولم تتم الفرقة بالأبدان.
وكذلك الخطبة، كما في حديث: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه).
وقاس العلماء عليهما الإيجار، أي: لا يستأجر أحدكم على إيجار أخيه؛ لأن العلة واحدة.
والقياس: اشتراك شيئين في حكم شرعي؛ لاشتراكهما في العلة.
والعلة في النهي عن البيع على البيع أن فيه إيغار الصدور، وحقد المسلم على أخيه، وحمل شيء في قلبه لأخيه.
وهذا موجود في الإيجار على الإيجار، فإذا كنت مستأجراً لمتجر وجئت أنت تخبب المؤجر عليّ فإنك تغير بذلك صدري وتجعلني أحقد عليك ومعناه: أن الرجلين إذا تبايعا فجاء آخر إلى المشتري فقال: أنا أبيعك مثل هذه السلعة بأقل من الثمن الذي اشتريت به.
فلو أني اشتريت مسجلاً من تاجر الأدوات الكهربائية بمائة وخمسين جنيهاً، وقبض الثمن وأخذت السلعة، وبعد ذلك قابلني بائع آخر وسألني بكم اشتريته، فقلت: اشتريته بكذا، فقال: هو عندي بأقل من هذا السعر، فهذا معناه أنه يخبب على البائع الأول، وهذا منهي عنه شرعاً.
قال المصنف رحمه الله: [أو قال: أبيعك خيراً منها بثمنها أو عرض عليه سلعة أخرى حسب ما ذكره، فهذا غير جائز؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، لما فيه من الإضرار بالمسلم والإفساد عليه، فيكون حراماً، فإن خالف وعقد البيع فالبيع باطل؛ لأنه نهي عنه، والنهي يقتضي الفساد].
وهناك كتيب بهذا العنوان (النهي يقتضي الفساد)، وطالما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشيء فهو فاسد، وهذا هو الراجح، ولذلك إن باعه بعد ذلك فالبيع باطل، يعني: لا ينعقد، أي: أن العقد ولد باطلاً.
وقد سألت أخت تقول: تقدم لخطبتي رجل فاضل فلم أعطه كلمة ولم أعده، فهل يجوز أن أقابل رجلاً آخر؟ أي: أنه تقدم إليها اثنان في وقت واحد، فلم تعد الأول وإنما رأته، فهل لها أن ترى الآخر؟ فقلت: نعم؛ لأن العبرة بأن توافق ويحدث القبول والإيجاب، وهنا لم يحدث قبول ولا إيجاب، وإنما الذي حدث رؤية، فلا مانع مطلقاً في هذا.