الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقه المعاملات من الفقه الغائب عن حياتنا، فقد أصبحت العناية الكبرى بفقه العبادات، وأما فقه المعاملات ففقه غائب في تدريسه وغائب عن واقعنا.
وكثير من معاملاتنا تقع مخالفة للشرع لعدم علمنا به، فمثلاً: بيع علبة السمن المغلقة بيع غرر، ونحن جميعاً نشتري السمن بهذه الطريقة، وهذا بيع جهالة؛ لأنه لا بد من رؤية المشترى قبل أن تشتريه، والبعض إذا اشترى علبة سمن مغلقة وذهب بها إلى البيت وفتحها وجد بها ما لذ وطاب ولا يجد بها سمناً فيعود بها إلى البائع فيقول له البائع: لا تعاد البضاعة بعد مفارقة المحل.
وهذا بيع غرر.
وسأضرب من واقعنا بعض الأمثلة قبل أن أبدأ: - بعض الشركات تضع جوائز للمستهلكين، كأن تضع سيارة وتقول: الذي يجمع صورة السيارة كاملة يحصل على سيارة، ثم تضع ربع السيارة في سلعة والربع الثاني في سلعة أخرى، والربع الثالث في سلعة، والرابع في سلعة، فإذا اشترى شخص سلعة ووجد فيها ربع سيارة، فإذا أراد أن يحصل على السيارة ولا سيما إن كانت جيدة فإنه يذهب يشتري السلعة بكثرة حتى يستطيع إكمال صورة السيارة، فهذا اشترى السلعة لغرض السيارة وهذا حرام، وهو موجود في حياتنا.
ومثل ما يحدث في الطريق العام، فتجد رجلاً يبيع سلعاً ويقول: اشتر سلعة وخذ معها الكوبون، وفي الكوبون جائزة تحصل عليها، إما أن يكون جهاز تسجيل أو مروحة أو مكواة أو جهاز كاميرا أو غير ذلك، وهذا البيع حرام؛ لأن فيه غرراً وجهالة.
فإذا حددت الجائزة كأن يقول: من يشتري مني بألف فله جائزة بمقدار كذا فهذا معلوم وجائز، وأما الأول فمجهول، وكل بيع فيه جهالة حرام.
وأيضاً (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة)، وهو الجنين في بطن أمه، مثل أن يذهب التاجر إلى السوق ويشتري بهيمة فيقال له: هذه بثلاثة آلاف وما في بطنها بألف، فيدفع الأربعة آلاف، فيكون قد اشترى الجنين في بطن أمه، وهذا البيع حرام؛ لأننا لا ندري هل ينزل الجنين أم لا ينزل.
وكذلك بيع المصراة، كأن يربط على ضرع الجاموسة كيساً ليحبس اللبن في ضرعها، ثم يذهب بها إلى السوق وهي منتفخة الضرع، وهذا بيع حرام.
ومثل أن يفتح محلاً لبيع الخضروات والبطيخ مثلاً، ويأتي بثلاثة أشخاص لا هم لهم في البيع والشراء وإنما ليزيدوا على المشتري، فيقول أحدهم: سأشتريها بمائتين، وكل هدفه أن يرفع السعر على المشتري الحقيقي، وهذا يسمى عند العلماء بيع النجْش أو النجَش -على خلاف بينهم هل هو بالتسكين أو الفتح- وبيع النجش حرام.
وهذا الذي يحدث.
ومثل من احتاج إلى اقتراض المال ولم يجد أحداً يعطيه، فإنه يذهب إلى تاجر آخر ويشتري منه سلعة بالتقسيط ثم يبيعها له مباشرة بسعر أقل، وهذا يسمى عند الفقهاء بيع العينة، وهو حرام؛ لأنه من الحيل التي لا ينبغي أن تكون.
وكذلك بيع الملامسة، وبيع المنابذة، وبيع الحصاة، وغيرها من أنواع البيوع كالمزابنة، والمحاقلة، والمخابرة.
وكذلك بيع الذهب بالذهب مع أخذ الفرق، وهذا يحدث في سوق الذهب والمجوهرات ولا سيما من النساء، فتجد المرأة تخلع ذهبها القديم وتعطيه لتاجر الذهب فيزنه، ثم تقول له: أريد ذهباً جديداً، فيزن لها الذهب الجديد وتدفع الفارق بين القديم والجديد، وهذا حرام، بل عليها أن تبيع القديم أولاً وتقبض ثمنه، ثم تشتري جديداً من المشتري أو من غيره، ولا يجوز أن يُباع الذهب بالذهب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبادة في باب الربا: (الذهب بالذهب والفضل ربا، والفضة بالفضة والفضل ربا، والشعير بالشعير والفضل ربا، والتمر بالتمر والفضل ربا، والبر بالبر والفضل ربا، والملح بالملح والفضل ربا).
وقد اختلف الحنابلة هل علة تحريم هذه الأصناف الكيل والوزن أم الثمنية والكيل، أم الطعم والوزن.
والربا ليس مقتصراً على هذه الأصناف الستة في ربا الفضل، بل لو جاء رجل بكيلة ذرة واستبدلها بكيلتين من الذرة أيضاً فهذا ربا، مع أنه ليس في الحديث الذرة بالذرة، ولكن قياساً على المذكور في الحديث، وعلة الحرمة هي الكيل، والعلة في الأصناف الأربعة الكيل، وفي الذهب والفضة الثمنية وليست الوزن؛ والحنابلة يرون أن العلة في تحريم الذهب والفضة الوزن، وعلى هذا فلو أن رجلاً باع طناً من الحديد بطنين فعند الحنابلة أن هذا ربا؛ لأن العلة في تحريم الذهب والفضة عندهم هو الوزن، والحديد موزون، والذهب والفضة موزونان، ونحن نقول: لا، ليس ربا؛ لأن العلة من تحريم الذهب والفضة هي الثمنية، فأي شيء له ثمن فيه ربا، وعلى هذا فهذه النقود الورقية التي نحملها فيها ربا؛ لوجود علة التحريم فيها، وهي الثمنية.
وكذلك من البيوع المخالفة للشرع بيع الثمرة قبل نضجها، وهذا يسمى بيع المزابنة عند العلماء.
وكذلك بيع الثمرة وهي على غصنها قبل أن تنضج.
وكذلك بيع النخل المؤبر، أي: الملقح.
وتلقيح النخل هو: أخذ طلع الذكر ويأتي إلى الأنثى و