قال رحمه الله: كتاب الصلاة: روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له).
والصلوات الخمس واجبة على كل: مسلم عاقل بالغ، إلا الحائض والنفساء.
قوله: حديث عبادة بن الصامت، هذا الحديث عمدة في أمرين هامين: الأمر الأول: أن الصلوات المفروضة على المسلم خمس.
قالت الأحناف: الوتر واجب، وهذا قول مرجوح، لأن حديث عبادة قال: (خمس صلوات في اليوم والليلة)، هذا نص في أن الواجب خمس صلوات، ولو أن رجلاً نذر أن يصلي لله ركعتين، فإنه يصبح في حقه واجب، إذاً: هذا خرق لهذا الحديث، الواجب بحق الإسلام، لكن ليس معنى ذلك أن يكون هناك واجبات أخرى قد يفرضها الإنسان على نفسه، وقد تكون عارضة كصلاة الكسوف عند من قال بوجوبها، وكصلاة الاستسقاء عند من قال بوجوبها، لكنها ليست في اليوم والليلة وإنما هي عارضة، والحديث يتحدث عن الواجب في اليوم والليلة في حق المسلم: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد) وكتب بمعنى: فرض، وهي من صيغ الوجوب، وكلمة كتب المراد بها: الكتابة القدرية الكونية، وهناك كتابة شرعية دينية، وعدم التفرقة بين الشرع الديني والقدر الكوني يوقع في ضلال بعيد.
فقوله تبارك وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183]، فهذه كتابة شرعية دينية، فهناك فرق بين الشرع الديني والقدر الكوني.
{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة:21]، وهذه كتابة قدرية كونية وليست شرعية دينية، وقد أجاد شيخ الإسلام رحمه الله في بيان الفرق بين الكوني القدري والشرعي الديني في كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ووضع باباً كاملاً في الفرق بين الأمر الشرعي الديني، والأمر الكوني القدري.
وقوله في الحديث: (كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، من حافظ عليهن -أي: على الصلوات الخمس- كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن وضيعهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)، ولعل هذا دليل الجمهور في أن تارك الصلاة تكاسلاً وليس جاحداً تحت مشيئة الله، خلافاً للحنابلة الذين جاءوا بأدلة تبين أن تارك الصلاة تكاسلاً كافر كفراً يخرج من الملة، يعني: إن تركها تكاسلاً يكفر، فلا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، والجمهور رأيهم: أنه يكفر كفراً عملياً، ودليلهم هذا الحديث حديث عبادة: (ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد ولا برهان وأمره إلى الله).
والحنابلة قالوا: هذا الحديث مخصوص بأحاديث أخرى بيّنت أن تارك الصلاة كافر، منها حديث: (إن آخر من يخرج من النار أناس تعرفهم الملائكة بآثار سجودهم)، إذاً الذي لا يصلي لا يخرج من النار؛ لأن الحديث فيه: آخر من يخرج من النار تعرفهم الملائكة بآثار السجود، فالذي لا يصلي كيف تعرفه الملائكة وهو لا يصلي، فلن يخرج من النار.
واستدلوا أيضاً على كفر تارك الصلاة بحديث: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، وقول الصحابة: كنا لا نعد من الأوامر الشرعية أمراً يعد تركه كفراً إلا الصلاة، فيا تارك الصلاة هل تريد أن تكون مختلفاً في أمرك؟ وقد اتفق الفريقان على أن تارك الصلاة يستتاب ثلاثاً، فإن أصر على تركها يقتل، ولكن الحنابلة يقولون: يقتل ردة، والجمهور يقولون: يقتل حداً كالزاني المتزوج يرجم حداً، ومعنى أنه يقتل حداً: أنه يصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين.
لكن لو جئنا برجل لا يصلي وقلنا له: صل وإلا قتلناك بعد ثلاث، فقال: اقتلوني ولن أصلي، فهذا جاحد لأننا لا نتصور أن يقال له: ستقتل ويختار القتل على الصلاة وهو مقر بها.
ومن أدلة كفر تارك الصلاة: قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:38 - 43]، إذاً: تارك الصلاة في سقر، والذي قال عن القرآن: إن هو إلا سحر يؤثر يعني: من جحد القرآن فهو في سقر أيضاً، فكأن تارك الصلاة مع الذي قال: إن القرآن سحر، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن لم يحافظ عليهن حشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف)، قال ابن القيم رحمه الله: فمن شغله ماله حشر مع قارون، ومن شغلته وزارته حشر مع هامان،