الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: قال المصنف رحمه الله: [باب أركان الحج والعمرة.
أركان الحج يقصد بها: ما إذا تركه المكلف يقع الحج باطلاً]، أي: أن الحج يبطل بترك ركن من هذه الأركان، وفرقنا بين الركن والواجب والسنة، والحج له أركان، وله واجبات وله سنن.
فالأركان لا بد من تحصيلها، والواجبات إن تركها تجبر بدم، والسنن لا شيء في تركها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أركان الحج: الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة]، لكنه نسي أن يذكر الإحرام، فنضيف إليها: الإحرام، وأصل الإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، فلو مر على الميقات دون أن يحرم وأحرم بعد الميقات يلزمه دم، لكن لا يجوز أبداً أن لا يحرم، فأصل الإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، لذلك نضيف هنا: الإحرام، فقد نسي المصنف أن يذكره.
قال الشارح: [الوقوف بعرفة: فلا يتم الحج إلا به إجماعاً، وروى عبد الرحمن بن يعمر قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فجاءه نفر من أهل نجد فقالوا: يا رسول الله كيف الحج؟ قال: الحج عرفة)]، وقوله: (الحج عرفة)، تعريف للحج بأهم ركن من أركانه، وأمثال هذا في الكتاب والسنة كثير، يقول ربنا سبحانه: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:43]، (اسجدي) أي: صلي، و (اركعي مع الراكعين) أي: صلي مع المصلين، فعبر عن الصلاة بأحد أركانها، فالتعبير عن الشيء بركن من أركانه معروف في لغة العرب.
قال الشارح: [(الحج عرفة)، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه أخرجه أبو داود وابن ماجه] وليلة جمع هي ليلة المبيت بالمزدلفة، فلو أن رجلاً انطلق من مصر في اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة، وأدرك الوقوف بعرفة قبل فجر يوم العيد فقد أدرك الحج.
قال الشارح: [قال محمد بن يحيى: ما أرى للثوري حديثاً أشرف منه].
ولا بد أن نفرق بين الوقوف بعرفة والوقوف بعرفة نهاراً، والسنة أن يجمع في الوقوف بعرفة بين النهار والليل، فإذا وقف بالليل ولم يقف بالنهار فحجه صحيح ولا شيء عليه، وإذا وقف بالنهار وترك عرفة قبل غروب الشمس، فقد ترك واجباً من واجبات الحج عند بعض الفقهاء وأنه يجبره بدم.
قال الشارح: [وطواف الزيارة ركن لا يتم الحج إلا به]، ويسمى: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وطواف الحج، وطواف الركن، فله أربعة أسماء: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وطواف الحج، وطواف الركن، وكلها بمعنىً واحد.
قال الشارح: [طواف الزيارة ركن لا يتم الحج إلا به، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر له أن صفية حاضت، قال: (أحابستنا هي؟، قيل: إنها قد أفاضت يوم النحر، قال: فلتنفر إذاً)]، بمعنى: أن صفية زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أصابها الحيض فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحابستنا هي؟)، أي: أنها ستؤخرنا عن الرحيل؛ لأنها لا بد أن تطوف طواف الزيارة فلما أخبر أنها طافت طواف الإفاضة في يوم النحر قال: (فلتنفر إذاً)؛ لأن طواف الوداع يسقط عنها؛ لأنها حائض.