الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فلا زلنا مع كتاب الحج والعمرة، باب (صفة الحج).
قال المصنف رحمه الله: [وإذا كان يوم التروية، فمن كان حلالاً أحرم من مكة وخرج إلى عرفات، فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما]، ويوم التروية هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وسمي بيوم التروية، لأنهم كانوا يتروون فيه الماء، حتى إذا ما صعدوا إلى عرفة أو ذهبوا إلى منى يكون معهم الماء، والمتمتع في اليوم الثامن يُحرم من مكانه الذي هو فيه، فإن كان في الفندق فله أن يغتسل ويطيب المفارق ويلبس الإزار والرداء، ثم يصلي ركعتين، وليس هناك ركعتين تسمى بـ (ركعتي الإحرام)، فهذا خطأ وهو شائع، لكن إن كانت هناك فريضة صلاها، وإن كانت نافلة صلاها، أو سنة الوضوء أو تحية المسجد، أي: أنها صلاة مسببة، ثم يلبي من مكانه: لبيك حجاً، لأنه قد لبى بالعمرة من الميقات، ويقول: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني.
وهذا كله قبل الظهر يوم الثامن من ذي الحجة، ثم يتوجه إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، فيقصر الصلاة دون أن يجمع، أي: أنه يصلي الظهر ركعتين والعصر ركعتين والمغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين والفجر ركعتين، وكل فريضة في وقتها، وهناك صحابي جليل من الخلفاء الراشدين قد أتم الصلاة في منى، وهو عثمان بن عفان رضي الله عنه، وصلى خلفه عبد الله بن مسعود فقال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم في منى فقصر، وصليت خلف أبي بكر فقصر، وصليت خلف عمر فقصر، فلما جاءت خلافة عثمان أتم عثمان، وقد اعتذر العلماء لفعل عثمان بأعذار عديدة، منها: أنه تأول، هل القصر في منى من النسك أم هو رخصة؟ من النسك، فلو أن رجلاً بيته في منى، فهل يصلي قصراً أم يتم؟ يصلي قصراً؛ لأن القصر من النسك وليست رخصة للمسافر دون غيره، ومن السنة أن يبيت في منى، وليس ذلك واجباً من واجبات الحج، ولا ركناً من أركانه، فإن بات في منى صلى الفجر فيها صبيحة اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة، وهو خير يوم طلعت فيه شمس العام، ثم بعد أن يصلي الفجر في منى ينتظر حتى يسفر النهار، ثم يتوجه بعد ذلك إلى عرفة.
قوله: [وخرج إلى عرفات] أي: خرج إلى عرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة، وكما تعلمون أن بعض المعاصرين يقترح على الأمة أن تعدد أيام عرفة لأجل تخفيف الزحام! أي: أنه بدلاً من أن يكون يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة ممكن أن يكون التاسع من شوال، وممكن أن يكون التاسع من ذي القعدة، والغريب أن الصحفي الذي كتب هذا المقال في جريدة الأهرام أو الأخبار -على ما أذكر- قال: وهذا اقتراح جدير بالدراسة، عرفة يتعدد وهو يوم واحد في السنة! وليس هناك عرفة سواه، ولكن أحياناً العقول تضل.
وقوله: [فإذا زالت الشمس يوم عرفة]، أي: انحرفت عن وسط السماء، [صلى الظهر والعصر يجمع بينهما]، أي: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر مع العصر في عرفة يجمع بينهما.