قال: [وأما القارن والمفرد فيستحب له إذا طاف وسعى أن يفسخ نية الحج وينوي عمرة مفردة، فيقصر ويحل من إحرامه ليصير متمتعاً]، يعني: لو أن رجلاً نوى أن يحج قارناً، وأدى الطواف والسعي، فيجوز له أن يتحلل ويجعلها عمرة ثم يحج متمتعاً؛ لأن الصحابة فعلوا ذلك، فقد قلبوا الطواف والسعي إلى عمرة، والعمرة أركانها الآتي: الإحرام، والطواف، والسعي.
وحتى لا يلتبس الأمر: فالإحرام ركن من أركان العمرة أو الحج، والإحرام من الميقات واجب، فلو أن رجلاً أراد أن يحج، ولا يستطيع أن يدخل السعودية إلا بمهنة جزار أو خدمة الحجيج، فله أن يدخل بملابسه ويحرم منها أو من جدة، ويلزمه فدية؛ لأنه جاوز الميقات دون إحرام، لكن أصل الإحرام ركن، يعني: يعقد النية عند الميقات ويلبي، وإن لم يستطع الفدية صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده.
وآخر: رجل اعتمر في رمضان، ولما جاءت أشهر الحج لبى بالحج مفرداً من مكانه، فله أن يحج مفرداً وليس عليه دم؛ لأنه أوقع العمرة في غير أشهر الحج، بينما المتمتع هو من أوقع العمرة في أشهر الحج، وأشهر الحج هي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، فمن اعتمر فيها يعتبر متمتعاً ويلزمه دم، قال تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196].
ثم قال: [وإنما يجوز ذلك بشرطين أحدهما: أن لا يكون معه هدي، فإن كان معه هدي بقي محرماً حتى يفرغ من أفعال الحج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (أمر أصحابه في حجة الوداع الذين أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا كلهم ويجعلوها عمرة إلا من ساق معه هدياً)، رواه جابر وابن عباس وعائشة متفق عليه، واحتج أحمد بقوله عليه السلام: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)، والأحاديث في ذلك كثيرة صحاح تقرب من التواتر والقطع.
الشرط الثاني: أن لا يكون قد وقف بعرفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بالفسخ قبل الوقوف] يعني: من أراد أن يحول الطواف والسعي إلى عمرة مفردة فله ذلك بشرطين: الأول: أن لا يكون قد ساق الهدي، والثاني: أن لا يكون قد وقف بعرفة؛ لأن من وقف بعرفة فقد انتهى حجه.
قال: [والمرأة كالرجل إلا أنها لا ترمل في طواف ولا سعي، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت، ولا بين الصفا والمروة، وليس عليهن اضطباع؛ لأن الأصل في الرمل والاضطباع أمر الجلد -يعني: القوة- ولا يقصد في ذلك النساء؛ ولأن النساء يقصد فيهن الستر وفي الرمل والاضطباع تعرُّض للانكشاف].