سبب الرمل

قال: [وسبب الرمل فيما روى ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة فقال المشركون: إن محمداً وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال، وكانوا يحسدونه -أي: هذا ادعاء- قال: فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثاً ويمشوا أربعاً) رواه مسلم]، لذا أراد بعض العلماء أن يجعل الرمل لعلة، وعندما تزول العلة يسقط الحكم؛ لأن الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماًَ، وهذا كلام غير صحيح؛ لأن الثابت من فعل الصحابة بعد ذلك أنهم حافظوا على مثل هذه السنة، ومثله: الالتفات يميناً ويساراً عند الأذان، سواء سمع من على يمينه أو لم يسمع، فلا يأت أحد فيقول: إن الالتفات يميناً ويساراً شرع حتى يسمع من في يمين ويسار المؤذن، لا، لأن الأمر بذلك سنة، ولأنه ربما قد تكون هناك علة أخرى لا نعرفها، ولذا قال المصنف: [فإن قيل: أليس الحكم إذا تعلق بعلة زال بزوالها؟ ف

صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رمل واضطبع في حجة الوداع بعد الفتح، ثبت أنها سنة ثابتة.

وقال ابن عباس: (رمل النبي في عمرته كلها وفي حجه، وأبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء من بعدهم)].

وفي المقابل: سن عثمان لنداء الجمعة الأول، وذلك بعد اتساع الرقعة الإسلامية، لكن بعد معرفة الأوقات بأكثر من طريقة، ووجود مكبرات الصوت، فقد زالت العلة، وبزوالها زال فعل عثمان رضي الله عنه، ولذا إذا أراد المسلم أن يطبق سنة عثمان فلا بأس، لكن يؤذن قبل الجمعة بنصف ساعة تقريباً، لأن الأذان الأول إعلام باقتراب دخول الوقت، لا أن يؤذن الأذان الأول في وقت الصلاة، ثم يؤذن الأذان الثاني والإمام على المنبر، فهذه بدعة ومخالفة لسنة عثمان التي يحتذي بها، ومثله: الأذان الأول في الفجر؛ لينبه النائم وليغتسل الجنب قبل دخول الوقت الحقيقي للفجر.

وكذلك: ما أورده البخاري رحمه الله تعالى في كتاب التيمم من حديث سيدنا عمر رضي الله عنه: لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم وادياً مع أصحابه، فأرادوا أن يناموا، فقال: من يقوم على إيقاظنا في الفجر؟ فقال بلال: أنا يا رسول الله! فقام سيدنا بلال يحرسهم لأجل أن ينبههم لصلاة الفجر، فنام بلال -لأنهم نزلوا بواد بعد طول تعب وسهر وعناء- والنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة حتى ارتفعت الشمس، فاستيقظ الصحابة على حرارتها، يقول عمر: فكنت ثالث القوم -وكان النبي صلى الله عليه وسلم ما زال نائماً- وكنا نكره أن نوقظه؛ لعله يوحى إليه، فأخذ عمر يكبر بصوت مرتفع فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فعاتب بلالاً، فقال: بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك يا رسول الله! وفي الحديث فوائد كثيرة جداً، منها: مشروعية إيقاظ النائم بالتكبير، ومشروعية النداء بعد خروج الوقت، وصلاة النافلة بعد خروج الوقت، وصلاة الجماعة بعد خروج الوقت، والصلاة الفائتة تقضى على صفتها، بمعنى: أنه إذا نام عن العشاء إلى الفجر، صلى الفجر أولاً، ثم صلى العشاء جهراً؛ لأن القضاء على صفة الفرض، وإن ضاق الوقت لقضاء الفائتة سقط الترتيب للمشقة والعجز، كمن قام من النوم والناس يصلون الفجر ولم يصل العشاء بعد، فليصل الفجر مع الجماعة أولاً، ثم يصلي العشاء، ويسقط الترتيب للعجز.

ومثله: من فاته قيام الليل قضاه جهراً؛ لحديث مسلم: (من نام عن حزبه أو نسيه؛ فليصله من بعد طلوع الفجر إلى الظهر)، ولذلك يرى الشيخ ابن عثيمين: أن من فاته الوتر في الليل قضاه شفعاً، فإن كان يصلي الوتر ثلاث ركعات، قضاه بعد الفجر أربعاً، بزيادة ركعة عن ركعات الوتر المعتادة، والدليل ما روت عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نام عن صلاة الليل صلى بالنهار ثنتي عشرة ركعة).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015