قال: [ومن كرر محظوراً من جنس غير قتل الصيد فكفارة واحدة] المعنى: أن محظورات الإحرام إما أن تكون متجانسة وإما أن تكون مختلفة، كأن يكون تطيب ثم تطيب ثم تطيب، المحظورات هنا ثلاثة من جنس واحد، أو لبس المخيط ثم لبس المخيط ثم لبس المخيط، إما أن يرتكب محظوراً من جنس واحد، وإما أن يرتكب محظوراً من أجناس مختلفة كأن تطيب ولبس المخيط وحلق رأسه، فهنا ارتكب ثلاثة محظورات مختلفة، فإما أن تكون المحظورات متجانسة وإما أن تكون مختلفة.
قال: [ومن كرر محظوراً من جنس غير قتل الصيد فكفارة واحدة] اصطاد نعامة، ثم اصطاد نعامة، عليه فديتان؛ لأن الصيد يلزمه فيه الضمان؛ لأن هذه النعامة تختلف عن النعامة الأخرى.
قال: [وذلك مثل من حلق ثم حلق] حلق رأسه وهو محرم، ثم حلق وهو محرم، ارتكب محظوراً واحداً مرتين، لكن المحظور من جنس واحد.
[أو لبس ثم لبس، أو تطيب ثم تطيب، فالحكم فيه كما لو فعل ذلك دفعة واحدة -أي: مرة واحدة- وتجزئه كفارة واحدة؛ لأنها تتداخل، فهي كالحدود والأيمان].
أي: أن هذه الحالة تشبه من حلف يميناً على شيء، ثم حلف عليه مرة أخرى وكرر الأيمان ثلاث أو أربع مرات على شيء واحد، فإن حنث فكفارتها كفارة واحدة؛ لأن اليمين حتى وإن تكرر فهو يتعلق بشيء واحد.
قال: [فإن كفّر عن الأول قبل فعل الثاني سقط حكم ما كفّر عنه فصار كأنه لم يفعله، وثبت لما بعده حكم المنفرد].
أي أنه تطيب فكفّر عن هذا بذبح شاة.
فمن تطيب وهو محرم فالفدية في حقه إحدى ثلاث على التخيير: إما أن يذبح شاة، وإما أن يصوم ثلاثة أيام، وإما أن يُطعم ستة مساكين.
فلو أنه تطيب وفعل الفدية، ثم تطيب بعد أن كفّر، فلا نقول هنا الكفارة الأولى تجزئ عن الثانية، فإن كفّر عن الأولى يلزمه أن يكفّر عن الثانية.
قال: [فإن كفّر عن الأول قبل فعل الثاني سقط حكم ما كفّر عنه، فصار كأنه لم يفعله، وثبت لما بعده حكم المنفرد، وهكذا لو كرر شيئاً من محظورات الإحرام التي لا يزيد الواجب فيها بزيادتها ولا يتقدر بقدرها، فأما ما يتقدر الواجب بقدره -وهو إتلاف الصيد- فإن في كل واحد منها له جزاؤه سواء فعل مجتمعاً أو متفرقاً، ولا يتداخل بحال ما لم يكفر عن الأول قبل فعل الثاني لما سبق].
وهذا هو الراجح من روايات الإمام أحمد.
إذاً: من فعل محظوراً من جنس واحد لزمه كفارة واحدة، طالما لم يكفر عن الأول، لكن إن كفّر عن الأول فيلزمه كفارة عن الثاني إن عاد إلا الصيد، فإنه إن اصطاد ولم يفد، ثم اصطاد ولم يفد، يلزمه للأول فدية وللآخر فدية؛ لأن الصيد ضمانه ضمان أعيان.
[وإن فعل محظوراً من أجناس -أي: أجناس مختلفة- وذلك مثل إن حلق، وقلّم، ولبس، وتطيب، ووطئ فعليه لكل واحد كفارة، وعنه: إن مس طيباً، ولبس، وحلق فكفارة].
عن أحمد روايتان، لكن الراجح إن فعل محظورات مختلفة فعليه لكل محظور كفارة، فإن تطيب، ولبس المخيط، وحلق الشعر فعليه ثلاث كفارات، فإذا حلق وتطيب ولبس المخيط ووطئ عليه أربع كفارات، وهكذا إن تعددت المحظورات طالما كانت من أجناس مختلفة يلزمه عن كل محظور فدية.
ثم قال: [والحلق، والتقليم، والوطء، وقتل الصيد يستوي عمده وسهوه].
وهذه مسألة مهمة في محظورات الإحرام، فمثلاً محرم نسي وجامع، أو لبس غطاء على رأسه، أو تطيب ما حكمه؟ انظر إلى المحظور، هل يستطيع رده أم لا يستطيع؟ الطاقية التي لبسها هل يستطيع أن يزيلها؟ شعر الرأس إن حلقه هل يستطيع أن يرده؟ أما العامد فلا فصال فيه وحكمه معروف، إنما الكلام في الناسي، فننظر إلى المحظور الذي ارتكبه؛ فإن استطاع أن يرده ويتخلص منه فلا شيء عليه، وإن لم يستطع فعليه الفدية، فهناك فرق بين المحظورين: إذا استطاع أن يرد، وإن لم يستطيع.
فالطيب يستطيع إزالته بمسحه أو بغسله بالماء؛ لأن المحرم الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر الطيب أمره أن يزيل الطيب ولا شيء عليه؛ لأنه أخطأ ولا يعرف الحكم.
إذاً: من قتل صيداً وهو ساه هل يستطيع أن يرد الصيد وقد قتله؟ طالما لا يستطيع يكون الساهي كالعامد، فإن استطاع فلا شيء عليه.
وهنا نقول: رجل قلّم أظافره وهو محرم ناس، ما حكمه؟ ليس عليه شيء، وإذا لبس المخيط وهو ساه فليس عليه شيء.
إذاً: الساهي حكمه يختلف، إن استطاع أن يزيله فلا شيء عليه، وإن لم يستطع فعليه فدية سواء كان عامداً أو ساهياً.