قال المصنف: [ففي ثلاثة منها دم، وفي كل واحد مما دونها مد طعام وهو ربع الصاع].
بمعنى: لو أن رجلاً أخذ من رأسه وهو محرم ثلاث شعرات فأكثر فعليه دم، فإن أخذ شعرتين ففي كل شعرة مد، والمد ربع صاع، فكأنه قال: الشعرة الأولى عليها مد والشعرة الثانية مد والشعرة الثالثة مد، فإذا زاد عن هذا الحد يلزمه دم، ولكن هذا الكلام فيه تكلف، والشيخ ابن عثيمين يرى أن المحظور هو حلق كل الرأس، أما شعرة وشعرتان وثلاث فما سمعنا بهذا.
فمثلاً: رجل محرم حك رأسه فنزلت أربع أو خمس شعرات مرة واحدة، فهل نقول له: عليك دم؟ هذا كلام ما ينبغي، فالمحظور على المحرم أن يحلق كل الرأس؛ لأن الله قال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة:196].
والمذهب أيضاً قاس على شعر الرأس كل الشعور، فإن أخذ من شعر صدره أو قدمه أو أي مكان من جسده ثلاثاً أو أربعاً أوجبوا عليه الدم.
فأقول: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ شعره إلا من عذر، قال تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196].
وروى البخاري ومسلم عن كعب بن عجرة أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لعلك تؤذيك هوام رأسك؟) الحديث.
فـ كعب بن عجرة كان فيه مرض جلدي في رأسه، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (احلق رأسك يا كعب!)، يعني: أذن له أن يحلق وهو محرم، لكنه أمره بفدية، وفدية حلق الرأس للمحرم هي: (صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو اذبح شاة).
إذاً: (أو) على التخيير وليس على الترتيب، فإذا جاءك رجل وقال: أنا عندي ألم في رأسي وأريد أن أحلق، فقل له: احلق لكن يلزمك فدية، والفدية هي صيام ثلاثة أيام، لكن هل يشترط أن يصوم هذه الثلاثة الأيام في الحج؟ أو يشترط أن يصوم جزءاً منها في الحرم وجزءاً إذا عاد؟
صلى الله عليه وسلم يصومها متى شاء وأينما شاء، هذا طالما أنها فدية فعل محظور، وأما فدية ترك الواجب فكما قال تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة:196].
قال: (صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو اذبح شاة) كلمة: (أو) للتخيير، فأنت مخير، وسنأتي إلى الفدية في باب مستقل ونشرحها بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
قال: [وهذا يدل على أن الحلق قبل ذلك محرم، وشعر الرأس والجسد في ذلك سواء].
قولهم في المذهب: (وشعر الرأس والجسد في ذلك سواء) فيه تكلف؛ لأنهم ساووا بين شعر الرأس وشعر الصدر وشعر اليد وشعر القدم.
فإذا أخذ رجل من قدمه شعرات يلزمونه بدم، وهذا كلام لا ينبغي، ولا نقبله؛ لأنه ليس عليه دليل، فنقول: حلق شعر الرأس فقط يلزمه الفدية.
وأجمعوا على أن المحرم ممنوع من تقليم أظفاره إلا من عذر؛ لأن قطع الأظفار إزالة جزء أحرم به، فحرم كإزالة الشعر، إلا أن ينكسر فله إزالته من غير فدية، وقد قالوا عن الأظافر ما قالوا عن الشعر، يعني: الظفر الواحد فديته مد، الظفران مدان، الثلاثة ثلاثة أمداد، والأربعة دم، وهكذا إذا زاد عن ثلاثة فعليه دم.
قال الشارح: [قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن للمحرم أن يزيل ظفره بنفسه إذا انكسر؛ لأنه يؤذيه ويؤلمه أشبه الشعر يطلع في عينه، والصائل يصول عليه.
والقدر الذي يجب فيه الدم: أن يحلق ثلاث شعرات فصاعداً.
قال القاضي: هذا المذهب؛ لأنه شعر آدمي يقع عليه اسم الجمع المطلق، فجاز أن يتعلق به الدم كالربع.
وعنه: أن القدر الذي يجب به الدم أربع شعرات، وهو اختيار الخرقي؛ لأنها كثير فوجب بها الدم كالربع فصاعداً].
هذا الكلام في الحقيقة أيضاً كما ذكرنا مرجوح، والراجح أن الفدية واجبة بحلق الشعر، وهي على التخيير.
قال الشارح: [وفي كل واحدة فما دونها مد من طعام يكون ضماناً لها، يعني: ما دون الثلاث؛ لأن ما ضمنت جملته ضمنت أبعاضه كالصيد، وعنه: في كل شعرة قبضة من طعام، روي ذلك عن عطاء، وعنه في الشعرة درهم، وفي الشعرتين درهمان، والأول أولى، لما سبق، والأظفار كالشعر ومقيسة عليها].
والحقيقة: هنا تفصيله في هذا الكلام ليس عليه دليل، فإذا انكسر ظفر من الحاج أو المعتمر فأزاله فلا شيء عليه.
وهكذا إن أخذ من أظفاره شيئاً ناسياً فلا شيء عليه؛ لأن الرجل الذي تطيب وهو محرم أمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يضع الطيب عن نفسه، وما أمره بفدية؛ لأنه جاهل، فقد يرتكب المحظور جاهلاً وقد يرتكب المحظور ناسياً، وهناك محظورات يعفى عنها إن نسي ومحظورات لا يعفى عنها سنتحدث عنها إن شاء الله تعالى.
وإن خرج في عينه شعر فقلعه أو نزل شعره فغطى عينيه أو انكسر ظفر فقصه فلا شيء عليه.
فالمحظور أن يأخذ متعمداً، أما لو نسي رجل فأخذ من ظفره ناسي