الفرق بين اعتكاف المرأة والرجل

قال: [ويصح من المرأة في كل مسجد غير مسجد بيتها؛ لأن صلاة الجماعة غير واجبة عليها، فلم يوجد المانع في حقها] أي: الاعتكاف بالنسبة للرجل لا ينبغي أن يكون إلا في مسجد جامع تقام فيه الجمعة والجماعة؛ لأنه إن لم تقم فيه الجمعة والجماعة سيضطر إلى الخروج.

أما مسألة إنشاء الجمع في أكثر من مسجد فهذا من العبث الشرعي، وقد سئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي: هل يجوز إقامة الجمعة في مسجد بخلاف المسجد الجامع؟ قال: تبطل الصلاة إن لم يكن هناك ضيق في المسجد، لأنه ما سميت الجمعة إلا لأنها تجمع الناس في مكان، والأولى أن يكون المسجد جامعاً وكلما زاد العدد زادت الفضيلة بدون أدنى شك.

فالمرأة يصح منها الاعتكاف في أي مسجد إلا مسجد بيتها فلا يجوز أن تعتكف فيه، أما اعتكافها في مسجد ليس فيه جمعة ولا جماعة فإنه يصح؛ لأن الجمعة والجماعة ليستا في حقها واجبتين.

قال: [ولا يصح من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة] أي: لا يصح الاعتكاف من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة، فلا يجوز له الاعتكاف في مسجد بيته، بل الاعتكاف في مسجد يؤذن فيه إمام راتب وتقام فيه الجمعة والجماعة.

قال: [لقوله سبحانه: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187]؛ ولأنه مسجد بني للصلاة فيه فأشبه المتفق عليه، وإنما اشترط في مسجد تقام فيه الجماعة؛ لأن الجماعة واجبة على الرجل]، أي: صلاة الجماعة تجب على الرجال إلا من عذر، والأعذار في ترك صلاة الجماعة معروفة: مرض، خوف، مطر شديد، سفر، من كان في حضرة الطعام، أو يدافع الأخبثين إلى غير ذلك من الأعذار، أما من يسمع النداء ويصلي في بيته بدون أدنى عذر فقد ترك واجباً.

ومعنى قوله: في حضرة الطعام يعني: أقام المؤذن الصلاة والطعام حاضر بين يديك، وليس المقصود أن تسمع الأذان وتقول: هاتوا لنا الطعام فإنه لا صلاة في حضرة الطعام، فهنا الطعام لم يحضر بعد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع النداء فيأخذ حاجته من الطعام ثم تركه وذهب إلى الصلاة.

المقصود: ألا ينشغل المصلي بالطعام، فإن بعض النساء -حفظهن الله- تعد السفرة قبل أذان المغرب بدقائق فيريد الرجل أن يصلي المغرب جماعة والسفرة مرصوصة بين يديه ثم يذهب إلى المسجد ويدخل في الصلاة وهو يفكر بالطعام، وهذا معناه أنه انشغل بالطعام عن الصلاة، فمن فطن المرأة ومن فقهها وحكمتها ألا تضع الطعام إلا بعد أن يعود من المسجد.

فإذا حضر الطعام وقت النداء يقدم الطعام، لأن الشارع الحكيم أراد بذلك أن يصلي المصلي وهو خالي الذهن تماماً ليس فيه ما يشغله، وليس كما يفعله البعض إذا حصلت عنده مباراة بين مصر والكاميرون -مثلاً- ولا يريد أن تفوته دقيقة واحدة من المباراة، فيأتي بالتلفاز ويجعله في القبلة، ويصلي وهو مشغول بالمباراة، فهذا عبث بالصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب:4]، وهذا له قلوب في جوفه، نسأل الله العافية، فلا بد أن يصلي وهو خالي الذهن تماماً حتى يخشع في صلاته، فيأكل الطعام أولاً، حتى لو فاتته الجماعة؛ لأنه لا صلاة في حضرة الطعام.

قال: [فاعتكافه في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى خروجه إلى الجماعة، فيتكرر ذلك منه مع إمكان التحرز منه، وذلك منافٍ للاعتكاف الذي هو لزوم المعتكف والإقامة على طاعة الله عز وجل فيه.

واعتكافه في مسجد تقام فيه الجمعة أفضل؛ لئلا يحتاج إلى الخروج إليها؛ ولأن ثواب الجماعة في الجامع أكثر].

أي: أنه لا بد أن يعتكف في مسجد فيه جمعة وجماعة حتى لا يخرج.

ولو صلى الرجل في بيته بعد أن سمع النداء، وليس عنده عذر فإن صلاته عند الأصوليين قد أجزأت وسقطت عنه، ولا نطالبه بأدائها ولا نعتبره تاركاً للصلاة، إنما هو -بدون أدنى شك- آثم على ترك هذا الواجب، فهذا جزاؤه والله أعلم به، فهذا هو الفرق بين الجزاء والإجزاء.

والجماعة لا تكون إلا في المسجد، وليس هناك جماعة في البيت، وإنما البيت للنساء، طالما أنه ليس هناك عذر، والأعمى لم يرخص له النبي عليه الصلاة والسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015