النسيان والإكراه وعدم الاختيار لا يفسد الصوم

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن فعل شيئاً من هذا ناسياً لم يفسد صومه؛ لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)، وفي لفظ: (فلا يفطر، فإنما هو رزق رزقه الله) فنص على الأكل والشرب وقسنا عليه سائر ما ذكرنا].

والمعنى: أن يكون ذاكراً، وأن يكون مريداً، وألا يكون مخطئاً في التقدير، هذه الأمور لابد أن يفعلها المكلف بقصد؛ لأن العبرة بالقصد والإرادة.

قال: [وإن فعله مكرهاً].

يعني: رجل فتح فمه وصب فيه الماء وهو مكره، ما حكم صيامه؟ صحيح؛ لأنه أكره على الفعل، والمكره لا يؤاخذ بفعله، وهذا الإكراه هو الذي عرض الإمام مالك للجلد، وذلك لما جلس يدرس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قام شخص يسأله، فقال: يا إمام! ما تقول في طلاق المكره؟ فقال: طلاق المكره لا يقع، فأرسل إليه ولي الأمر وقال: يا مالك! أنت تعرف أن الناس بايعوني بالإكراه، إذاً: بيعة المكره لا تقع، وكأن السائل يقصد البيعة، لكنه عرض بالطلاق، فيا مالك! عد إلى مجلسك وقل: طلاق المكره يقع، فقال مالك لولي الأمر: إن زلة العالِم زلة عالَم، فأمر به ولي الأمر فجلد حتى شلت يداه.

فانظر إلى العلماء الربانيين! انظر إلى الحال، نسأل الله أن يثبتنا على الحق.

وفتنة الإمام أحمد كانت في قضية خلق القرآن، حتى إنهم جلدوه جلداً، وسن له المأمون سيفاً حاداً أعده لقتله، فقابله أحد الناس في الطريق.

قال: يا أحمد! احذر أن تقولها فالناس تنظر إليك، فزلتك يا أحمد! اليوم يزل بها الكثير، وأخبرك أن المأمون قد حد لك سيفاً، وقد استعد لضرب عنقك به، فرفع أحمد يده إلى السماء قائلاً: اللهم لا تجمع بيني وبين المأمون في الدنيا بعد اليوم، فجاء الصارخ يقول: أبشر فإن المأمون قد مات.

الله أكبر! هؤلاء هم العلماء الربانيون الذين لا يبيعون دينهم بدنيا غيرهم، لكن هناك من يبيع دينه بدنيا غيره.

فإن قيل: وإن أكره على الزنا أو قتل النفس؟

صلى الله عليه وسلم عند الأصوليين أن الإكراه في القول وليس في الفعل؛ لأن عماراً أكره في القول، فلو أكرهت على أن تسجد لغير الله فلا تسجد ومت شهيداً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دخل رجل النار في ذبابة ودخل رجل الجنة في ذبابة، مرا على صنم فقال الذين يعبدون الصنم: قربا إليه شيئاً، فقرب أحدهما ذبابة وأبى الآخر أن يقرب شيئاً، فقتل الأول فدخل النار، وقتل الثاني فكان شهيداً)، فهذا يبين أن الإكراه في الفعل لا يجوز.

قال: [وإن فعله مكرهاً لم يفطر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء).

وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار لم يفسد صومه؛ لأنه لا يمكن التحرز منه] ما لا يمكن التحرز منه كالريق الذي يبلغه وكالتراب في الطريق العام إلى غير ذلك، فهذا كله لا يمكن التحرز منه فلا يفطر.

قال: [وإن تمضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء لم يبطل صومه؛ لأنه وصل بغير اختياره].

وهذا شخص سأل: كنت قاصراً وأمي وضعت المال في الحسب، وبعد أن مات أبي كان لي نصيب في الميراث بأمر النيابة الحسبية، فوضع المال في البنك، وربحت منه فوائد، فهل آخذ هذه الفوائد؟

صلى الله عليه وسلم خذها وانتفع بها؛ لأنه لا اختيار له، إذا كان قاصراً لم يضع المال بإرادته.

قال: [وإن فكر فأنزل لم يفسد صومه؛ لأنه يخرج من غير اختياره وإن قطر في إحليله شيئاً لم يفسد صومه؛ لأن ما يصل إلى المثانة لا يصل إلى الجوف ولا منفذ بينهما].

أي: أن المثانة لا ترتبط بالجوف.

قال: [وإن احتلم لم يفسد صومه؛ لأنه يخرج من غير اختياره، وإن ذرعه القيء لم يفسد؛ لحديث أبي هريرة السابق، ومن أكل يظنه ليلاً فبان نهاراً فعليه القضاء؛ لما روي عن حنظلة قال: كنا بالمدينة في رمضان، فأفطر بعض الناس، ثم طلعت الشمس، فقال عمر: من أفطر فليقض يوماً مكانه].

والمعنى: أنه لو أفطر قبل غروب الشمس خاطئاً فعليه القضاء، ولو أكل بعد طلوع الفجر خاطئاً فليس عليه قضاء؛ لأن الأصل في الليل الفطر، والأصل في النهار الصيام، فينسحب الأصل هنا، وينسحب الأصل هنا، رغم أن هناك اختلافاً.

قال: [ولأنه أكل ذاكراً مختاراً فأفطر، كما لو أكل يظنه من شعبان فبان من رمضان].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015