قال المؤلف رحمه الله: [وعلى سائر من أفطر القضاء لا غير] كل من أفطر في رمضان يلزمه قضاء بدلاً من اليوم يوماً.
قال: [إلا من أفطر بجماع في الفرج.
فإنه يقضي ويعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، فإن لم يجد سقطت عنه الكفارة]؛ لأن الكفارة تسقط مع عدم القدرة، وهذه يسميها العلماء الكفارة المغلّظة، وهي الإفطار بالجماع في نهار رمضان، ولا يقاس على الجماع غيره، فإن باشر الرجل زوجته في رمضان دون جماع ثم أمنى فحكم صيامه باطل، وعليه قضاء اليوم فقط؛ لأن ما الذي يلزمه بالكفارة المغلّظة هو الجماع، وهل يجب على المرأة أيضاً كفارة مغلّظة أم لا يجب؟ اختلف العلماء، فالحنابلة يرون أن الكفارة على الرجل فقط، ودليلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه الرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان لم يسأله عن الزوجة، ولو كانت الزوجة يلزمها شيء لسأله: أراضية هي أم غير راضية؟ موافقة على هذا الفعل أم لا؟ لكن الشافعي يفصّل ويقول: إن كان برضاها فيلزمها الكفارة كالرجل تماماً، وإن كان بغير رضا فهي في حكم المكرهة.
قال: [عن أبي هريرة: (بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل، فقال: هلكت.
قال: ما لك؟)].
وفي رواية أخرى: (يضرب صدره وينتف شعره) وليس شرطاً فيمن يجامع أن يضرب صدره وأن ينتف شعره، وهذا يسمى عند علماء الأصول: تنقيح المناط، وهو أن تخلص الحكم من الأشياء التي لا تؤثر فيه، فإن جاءك رجل جامع زوجته في نهار رمضان فلا تقل له: لا بد أن تضرب صدرك وأن تنتف شعرك حتى ينطبق عليك الحكم، إنما هذا وصف دائم وليس له علاقة بالحكم، وهذا يسميه العلماء تنقيح المناط.
[(قال: هلكت، قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا)] وفي رواية: (لا أملك إلا هذه الرقبة) أي: أنه ليس عندي رقاب، أنا فقير.
[قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟] أي: لا يفطر في يوم منهما، فإن أفطر في يوم فعليه أن يعيدها من جديد، لكن هب أنه أفطر في حكم الشرع كأن أفطر يوم عيد، فإنه يتم؛ ولماذا يتم؟ لأنه لم يفطر بإرادته، إنما الذي جعله يفطر هو الشرع، فهناك فرق بين أن يفطر بالإرادة وبين أن يفطر رغم إرادته.
وفي رواية قال: (صم شهرين متتابعين، قال: يا رسول الله! وهل فعل بي ذلك إلا الصوم) لم أستطع أن أبتعد عن زوجتي يوماً أأصوم شهرين؟! [(قال: أطعم ستين مسكيناً! قال: لا أستطيع)]، وفي رواية: (ليس في المدينة من هو أفقر مني)، أي: لا رقبة ولا قدرة على الصيام ولا إطعام ستين مسكيناً.
قال: [فقال له: (اجلس، فمكث، فبينما نحن على ذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر) والعرق: المكتل] من تمر الصدقة، أي: أنه أجلسه بجواره حتى جاء تمر من مال الصدقة.
قال: [فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أين السائل؟ قال: أنا.
قال: خذ هذا فتصدق به، فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله! فوالله ما بين لابتيها -يريد: الحرتين- أهل بيت أفقر مني ومن أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: أطعمه أهلك) متفق عليه].
وفي الحديث دروس وأحكام: الحكم الأول: أن الكفارة تسقط بالعجز عن الأداء، وأن صاحب الكفارة يعان من مال الصدقة، فإن قيل: أنا معي مال زكاة.
هل أعطيه لمن عليه كفارة؟
صلى الله عليه وسلم نعم.
يعان من مال الصدقة؛ لأن هذا الرجل أعانه النبي صلى الله عليه وسلم، والكفارات تسقط بالعجز، فإن استطاع فلا بد من الوفاء بها، فهي دين في رقبة المكلّف.
وجامع الزكاة لابد أن يعرف أنه يستحق، والمفروض أن صاحب الكفارة تسقط عنه الكفارة إن لم يستطع، فإن سأل من بيت المال فلا شيء في ذلك.
قال: [فإن جامع ولم يكفر حتى جامع ثانية في يوم واحد فكفارة واحدة] بمعنى: جامع في أول النهار، ثم جامع في آخر النهار، إذاً: حدث الجماع مرتين في نفس اليوم، فيلزمه كفارة واحدة.
قال: [ولا خلاف فيه بين أهل العلم، وإن كان في يومين فعلى وجهين: أحدهما: تلزمه كفارة واحدة؛ لأنه جزاء عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها فتداخلا، كالحدود، وكما لو جامع في يوم مرتين ولم يكفر.
والثاني: تلزمه كفارة ثانية] وهذا الراجح، لو جامع في يوم ثم جامع في يوم آخر تلزمه كفارتان.
قال القاضي: لأنه أفسد صوم يومين فوجبت كفارتان كما لو كان هذان اليومان في رمضانين، وهذا هو الراجح من أقوال العلماء.
قلت: والمسألة فيها تفصيل بالنسبة للزوج، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل الرجل عن زوجته، وهنا استدل الحنابلة على أن الكفارة على الزوج، هب أن الزوجة وافقت على هذا الفعل فإن العلة واحدة، وكونه لا يسأل لا يعني: أنه يسقط عنها الحكم، وهذا قول الشافعي، فالتفصيل: إن كانت موافقة ع