الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله: [ويباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام] في الحقيقة قوله: يباح، يحتاج إلى مراجعة؛ لأن المباح: ما يستوي فعله مع تركه، فيقول: يباح للمريض الذي يتضرر به، فهذا يلزمه الفطر؛ لأنه لو صام وتضرر بالصيام فهو آثم؛ لأنه جلب على نفسه المرض وزاد المرض في حقه، والله سبحانه يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، ويقول: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، ويقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29].
قال: [أحدها: المريض الذي يتضرر به، والمسافر الذي له القصر، فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء؛ لأن الله سبحانه قال: {وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء:43]، وقال في سورة البقرة: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصوم في السفر) متفق عليه].
المريض الذي يتضرر بالصيام يجب عليه الفطر، والمسافر الذي يتضرر بالصيام أيضاً يجب عليه الفطر، والمسافر يجوز له أن يفطر ويجوز له أن يصوم؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون فمنهم من يصوم ومنهم من يفطر، وأحياناً يصبح الفطر واجباً على المسافر، وواجباً على المجاهد.
قال: [(وخرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح فأفطر، فبلغه أن ناساً صاموا فقال: أولئك العصاة) رواه مسلم] فوصفهم بأنهم عصاة لصومهم؛ لأنهم صاموا مع وجوب الإفطار في عام فتح مكة.
قال: [وإن صاما أجزأهما لذلك] مثال ذلك: مريض صام ومسافر صام فما حكم صيامهما؟ هل عليهما قضاء؟ العجيب: أن ابن حزم الظاهري يرى أن المسافر لو صام يلزمه القضاء؛ لأن الله قال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184].
إذاً: علة القضاء هي السفر وليس الصيام من عدمه، ونسي رحمه الله أن الآية فيها ما يسميه علماء علوم القرآن بدلالة الاقتضاء، فالمقام يقتضي كلمة يفهمها السامع والمتكلم: ((فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ)) فأفطر {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] فكلمة (فأفطر) يقتضيها المقام، إذ ليس من المعقول ولا المنقول أنه إذا سافر وصام يلزمه القضاء، فـ ابن حزم جعل السفر هو سبب القضاء سواء صام أو أفطر، لكن جمهور العلماء يقولون بدلالة الاقتضاء؛ لأن أنواع الدلالات في القرآن مهمة جداً، وإن شاء الله تعالى عند الحديث عن علوم القرآن سنذكرها بالتفصيل.