قال الشارح: [الخامس: وفي الرقاب وهم المكاتبون، يُعطون ما يؤدونه في كتابتهم ولا يُقبل قوله: إنه مكاتب إلا ببينة؛ لأن الأصل عدمها].
المكاتب هو العبد الذي اتفق مع سيده في كتاب على أن السيد يعتقه مقابل مبلغ من المال، فهذا كتاب بين العبد وبين سيده.
فإن أدى العبد جزءاً من المبلغ وبقي عليه جزء، فيدفع من الزكاة للعبد كمكاتب، لكننا لا نقبل قوله بأنه مكاتب إلا ببينة أن هناك كتاباً بينه وبين سيده.
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله: هناك فرق بين قوله تعالى: ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ)) وبين قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة:60] فكلمة للفقراء تعني التمليك، وأن الفقير لا بد أن يتملك بيده، وقد يقول قائل: أنا سأسقط الدين عن المدين وأجعله من الزكاة، وهذا لا يجوز، أو يقول قائل: أنا سأقضي الدين عنه وأجعله من الزكاة، وهذا لا يجوز، أو يقول قائل: أنا سأشتري له بالزكاة ملابس وهذا أيضاً لا يجوز، فلا بد من تمليكه المال فقوله: ((لِلْفُقَرَاءِ)) فيها إعطاء وتملك، أما كلمة: ((وَفِي الرِّقَابِ)) فإنها تعني أنه يجوز أن يدفع لسيده المبلغ دون أن يتملك هو، فهناك فرق بين (لل) وبين (في).
قال الشارح: [ويجوز أن يفك منها أسيراً مسلماً كفك رقبة العبد من الرق، وهل يجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها؟].
بمعنى: لو أن هناك أسيراً مسلماً عند العدو، والعدو يريد مبلغاً لفك أسره، هل يدفع من الزكاة لفك أسره؟
صلى الله عليه وسلم نعم يدفع من الزكاة لفك أسره فشأنه شأن العبد الذي يدفع لفك رقبته، إنما هل يشتري منها رقبة ثم يعتقها؟ روايتان عن الإمام أحمد: قال الشارح: [الرواية الأولى: يجوز لأنها من الرقاب فعلى هذا يجوز أن يعين في ثمنها، وأن يشتريها كلها من زكاته ويعتقها].
أي: أن الرواية الأولى للإمام أحمد أنه يجوز أن أشتري رقبة من مال الزكاة وأن أعتقها.
قال الشارح: [الرواية الثانية: لا يجوز الإعتاق منها؛ لأن الآية تقتضي دفع الزكاة إلى الرقاب، كقوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:60]].
والرواية الأولى أرجح، وإن أردت أن ترجّح بين روايات مذهب الإمام أحمد فهناك كتاب يسمى: الإنصاف في الراجح من مسائل الخلاف على مذهب الإمام أحمد رحمه الله للمرداوي يرجّح الروايات.
ثم قال المصنف: [السادس: الغارمون].
إذاً مصارف الزكاة: المصرف الأول: للفقراء، الثاني: المساكين، الثالث: العاملين عليها، الرابع: المؤلفة قلوبهم، الخامس: وفي الرقاب، السادس: والغارمين.
قال المصنف: [الغارمون: هم المدينون] وقد يكون الدين لمصلحة نفسه، وقد يكون الدين لإصلاح ذات البين.
مثال ذلك: شخص مدين لشخص آخر، فهذا دين يعان عليه من الزكاة بقدر ما يقضي عنه الدين.
يقول الشارح: [الغارمون: هم المدينون، وهم ضربان] أي: قسمان [ضرب غرم لمصلحة نفسه].
أي: أن الدين أصابه لأكل وشرب ومسكن [فيعطى من الصدقة ما يقضي غرمه] يعني: يعطى من الزكاة بمقدار الدين الذي عليه.
قال الشارح: [ولا يعطى مع الغنى لأنه يأخذ لحاجة نفسه، فلم يُدفع إليه مع الغنى كالفقير] يعني: إن كان مديناً وهو غني لا يأخذ من الزكاة، فلا بد أن يكون غير قادر على سداد الدين.
الضرب الثاني من الغارمين قال الشارح: [غرم لإصلاح ذات البين].
إذاً النوع الأول: غرم لمصلحة نفسه، والثاني: غرم لإصلاح ذات البين.
قال الشارح: [كمن يتحمل دية أو مالاً لتسكين فتنة أو إصلاح بين طائفتين].
والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن في حديثه: أن المسألة لا تجوز إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، والفقر المدقع الذي هو الفقر الشديد، أو غرم مفظع، أو دم موجع وذلك لما جاءه الرجل يسأل الناس، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: (هل في بيتك شيء؟ قال: نعم، إناء نشرب فيه الماء وحنث بالي) يعني: سجادة قديمة نجلس عليها قال: ائتني به، فأتاه بهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: من يشتري هذين؟ فقال رجل: أنا أشتريهما بدرهم يا رسول الله، قال: من يزيد على درهم؟ فأقام عليهم مزاداً، حتى قال صحابي: أنا أشتريهما بثلاثة، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم درهماً لأهله وأمره أن يذهب إلى السوق ليحتطب ويبيع يعني: يشتري حطباً ثم يعود فيبيعه، فذهب الرجل واحتطب ثم باع فتربّح وتكسب وجرت السيولة في يده، وجاء بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: هذا أولى من أن تأتي المسألة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تجوز إلا لذي فقر مدقع، أو غرم مفظع، أو دم موجع، وهذه حكمة نبينا عليه الصلاة والسلام، لقد حوّل يد الرجل من يد سؤال إلى يد منتجة، أما اليوم فإن ذل المسألة في الشوارع والطرقات آلاف مؤلفة يسألون الناس إلحافاً، بل يسألون الناس بدون حق.
فيأتي رجل يسأل ويقول: يا شيخ! أنا مدير عام انفصلت من عملي ارحموا عزيز قوم ذل، وعندي بنت تعالج من الكلى