قال المصنف: [باب إخراج الزكاة] قال الشارح: [لا يجوز تأخير الزكاة عن وقت وجوبها مع إمكانه؛ لأنها عبادة مؤقتة بوقت فلا يجوز تأخيرها عنه كالصلاة، ولأن الأمر بها مطلق، والأمر المطلق يدل على الفور، وقد اقترن به ما يدل عليه، فإنه لو جاز له التأخير لأُخِّر بمقتضى طبعه ثقة منه بأنه لا يأثم حتى تموت فتسقط عنه عند من يسقطها أو يتلف ماله فيعجز عن الأداء فيتضرر الفقراء بذلك، ولأنها وجبت لدفع حاجة الفقراء وحاجتهم ناجزة، فيكون الوجوب ناجزاً].
والمعنى: أن الزكاة لا يجوز أن تؤخر عن وقت وجوبها، بمعنى أنه إذا كان عندك مال فحال عليه الحول ومضت عليه سنة، فلا ينبغي أن تؤخرها؛ لأن وقت الوجوب هو حولان الحول، فبمجرد أن حال الحول على المال يجب عليك أن تخرج زكاته؛ لأنك لو أخّرت الزكاة سيكون المتضرر هو الفقير، وربما قد تكون عزلت مال الزكاة عن مالك فجاء ما يتلفه، فإذا أُصبت بسرقة مال الزكاة، أو بعطب وتلف للمال، فهذا معناه أن حق الفقير قد يضيع، فبما أنها فُرضت لإنجاز حق الفقير، فوجوبها منجز في الحال؛ ولأنه أمر جاء مطلقاً، والأمر المطلق يفيد التنفيذ الفوري وليس على التراخي، كما يقول بعض الفقهاء.
فتأخير الزكاة عن وقت وجوبها لا يجوز؛ لأن ذلك فيه ضرر بمصلحة الفقير، فهل يجوز تقديم وقت الزكاة؟
صلى الله عليه وسلم نعم؛ لأنه تعجيل بطاعة وهذا موسى عليه السلام حينما وقّت له الله عز وجل ميقاتاً مع قومه فذهب موسى قبل الميقات، فقال له الله: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} [طه:83] لماذا جئت قبل الميقات وقبل القوم؟ {قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84]، فتعجيل الطاعة أمر مطلوب، قال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد:21].
قال المصنف: [فإن فعل فتلف المال لم تسقط عنه الزكاة] أي: لو أنه أخّر الزكاة وترتب على التأخير أن تلف المال لم تسقط عنه الزكاة.
قال الشارح: [لأنها وجبت في ذمته فلا تسقط بتلف المال كدين الآدمي].
أي: إن تلف المال بعد وجوب الزكاة لا يسقط الوجوب.
قال الشارح: [وإن تلف قبله، يعني: قبل الوجوب سقطت؛ لأن المال تلف قبل أن تجب عليه فلم يكن في ذمته شيء أشبه ما لو لم يملك نصاباً ويجوز تعجيلها إذا كمل النصاب، ولا يجوز قبل ذلك] أي: إذا اكتمل النصاب واقترب الحول على المرور فيجوز أن تعجّل الزكاة.
قال الشارح: [لأن النصاب سببها فلم يجز تقديمها عليه كالتكفير قبل الحلف].
ما هو سبب وجوب الزكاة؟ بلوغ النصاب، فإن لم تبلغ النصاب فلا زكاة، فمتى بلغ النصاب وجبت الزكاة، فإن بلغ النصاب يجوز له أن يعجّلها، لكن لا يجوز قبل بلوغ النصاب كرجل يريد أن يكفّر كفارة يمين قبل أن يحلف! فيكفر عن ماذا؟ فالكفارة لا تلزمه إلا بعد الحلف.
قال الشارح: [ويجوز تعجيلها إذا كمل النصاب ولا يجوز قبل ذلك كالتكفير قبل الحلف، ويجوز بعد كمال النصاب لما روي عن علي رضي الله عنه: (أن العباس سأل رسول صلى الله عليه وسلم أن يرخّص له في تعجيل الصدقة قبل أن تحل فرخص له)، ولأنه حق مال أجّل للرفق فجاز تعجيله قبل أجله كالدين ودية الخطأ].
فلو أن رجلاً عليه دين موعده بعد شهر، فجاء قبل الشهر وقال: هذا الدين المستحق قبل موعده، فإنه يقبل منه، فيجوز تعجيل الدين، وكذلك الزكاة يجوز أن تعجّل قبل ميقاتها أو قبل وقت وجوبها، أو قبل وقت استحقاقها.
قال المصنف: [فإن عجلها إلى غير مستحقها لم يجزئه] أي: أنه أخرجها قبل وقت الاستحقاق فإن عجلها إلى غير مستحقها لم يجزئه.
والمعنى: عجّل الزكاة قبل وقت استحقاقها عليه، لكنه أعطاها لمن لا يستحق، فإنها لا تجزئه.
قال الشارح: [وإن صار عند الوجوب من أهلها؛ لأنه لم يؤتها لمستحقها].
فلو أن رجلاً وجبت عليه زكاة، فأخرجها لرجل لا يستحقها، فإنها لا تجزئ حتى وإن تحول الذي أعطاه مستحقاً بعد إعطائه؛ لأنه عند العطاء كان لا يستحق، ولذلك قال الشارح: [فإن عجلها إلى غير مستحقها لم يجزئه، وإن صار عند الوجوب من أهلها؛ لأنه لم يؤتها لمستحقها، وإن دفعها إلى مستحقها فمات أو استغنى أو ارتد أجزأت عنه].
فإذا أعطيت الزكاة لمستحق الزكاة قبل استحقاقها، ثم بعد أن أخذها مات قبل تاريخ الاستحقاق، هل تخرج مرة أخرى؟
و صلى الله عليه وسلم لا، فقد أخرجت، وإذا كان بعد أن أخذها ارتد، أيضاً لا تخرج مرة أخرى، فهي لا تجوز لكافر، ولكنه عند العطاء كان من أهل الاستحقاق، ولكنه بعد العطاء تحوّل الأمر، والعبرة بوقت العطاء، أو استغنى بعد أن أخذ الزكاة ففتح الله عليه فأصبح من أصحاب الملايين، ولكنه عند العطاء كان مستحقاً، وبعد العطاء تحوّل الحال، فهذا ليس معناه أنها لا تجزئ، ولكنها تجزئ.
قال الشارح: [لأنه أداها إلى مستحقها فبرئ منها كما لو تلفت عند آخذها أو استغنى بها].
آخر الزكاة أخذها ثم تلفت عنده، إما أنه فقد المال أو سُرق المال أو ضاع المال، أو حرق من يد آخذ ا