ومن نواقض الوضوء: أكل لحم الجزور؛ لما روى مسلم من حديث جابر بن سمرة وهو حجة على كل المذاهب؛ لأن هذا مذهب أحمد فقط، وأكل لحم الجزور هو لحم الإبل، ولحم الإبل ينقض الوضوء عند الحنابلة وهو الراجح خلافاً للشافعي وغيره؛ لما ثبت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل، فقال: يا رسول الله! أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم.
توضأ من لحوم الإبل)، رواه مسلم.
قال الإمام أحمد: هذان حديثان صحيحان عن النبي صلى الله عليه وسلم.
إذاً: الحديث حجة على المخالف.
وكنت أسمع في إذاعة القرآن الكريم، وكان ضيف الإذاعة الدكتور محمد بكر إسماعيل حفظه الله وهو شافعي المذهب، ففوجئت أنه يقول في هذا الحديث: إن المقصود بالوضوء هنا: غسل الفم؛ لأن العرب تطلق الوضوء على طهارة الفم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء)، وفي رواية: (عند كل صلاة)، فقال: كلمة (وضوء) هنا بمعنى: غسل الفم، ومع أنه أستاذنا في اللغة وأستاذنا في الأحكام الشرعية، ولا يمكن للأصاغر أن يتطاولوا على الأكابر، لكن نقول: يا أستاذنا! لا يصرف معنى الكلمة من المعنى الشرعي إلى المعنى اللغوي إلا بقرينة، يعني: الكلمة في أي حديث تحمل على المعنى الشرعي وليس على المعنى اللغوي، فحينما نقول: يا أيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة، تحمل على المعنى الشرعي وهو الصلوات ولا تحمل على المعنى اللغوي وهو الدعاء، فكلمة الصلاة حينما تطلق فإنه يراد بها الصلوات إلا إذا جاءت قرينة تصرف الصلاة عن المعنى الشرعي إلى المعنى اللغوي، فحمل الوضوء على المعنى اللغوي ابتداءً يناقض الأصول، لأن الأصل أن نحمل الكلمة على المعنى الشرعي لا على المعنى اللغوي.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، فإن قال رجل: أتمضمض وأغسل فمي وأصلي؛ لأن الوضوء هو طهارة الفم، فما تقولون فيه إن فعل ذلك؟ كما أن أول الحديث يدل على أن الوضوء هو الوضوء الشرعي.
قال: (أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ)، هل معنى ذلك: إن شئت فاغسل فمك وإن شئت فلا تغسل؟ هذا الكلام لا يمكن أن يفهم أبداً.
ولكن انتصاراً للمذهب الشافعي أراد الأستاذ الفاضل أن يصرف معنى الكلمة عن معناها الشرعي إلى معناها اللغوي، أقول ذلك مع احتفاظي بالتقدير؛ ولأنه أستاذنا تعلمنا منه كثيراً، فمن الأدب أن نتعلم كيف نتعامل مع أساتذتنا.